الحمد لله.
الإمام محب الدين الطبري رحمه الله تعالى من كبار علماء الشافعية ، وممن كان له اعتناء بعلم الحديث، فلذا ترجم له الحافظ الذهبي في كتابه "تذكرة الحفاظ"، حيث قال رحمه الله تعالى:
" المحب الإمام المحدث المفتي فقيه الحرم، محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري ثم المكي الشافعي، مصنف "الأحكام الكبرى": ولد سنة خمس عشرة وسمع من أبي الحسن بن المقير وابن الجميزي وشعيب الزعفراني وعبد الرحمن بن أبي حرمي وجماعة، وتفقه ودرس، وأفتى وصنف، وكان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز " انتهى من "تذكرة الحفاظ" (4 / 176 – 177).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وكان فقيها بارعا محدثا حافظا، درس وأفتى، وكان شيخ الشافعية هناك، ومحدث الحجاز في زمانه " انتهى من "طبقات الشافعيين" (1 / 939).
وكتابه "الرياض النضرة في مناقب العشرة" هو كتاب جمعه الشيخ من مصنفات حديثية كثيرة، سرد عناوينها في مقدمة الكتاب، لكن الشيخ رحمه الله تعالى، على عادة كثير من المصنفين في زمنه يسرد الآثار من غير بيان درجتها، ومن غير اقتصار على الصحيح منها، كما أشار إلى هذا الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى؛ حيث قال:
" محب الدين أبو العباس الطبري المكي الشافعي، مصنف الأحكام المبسوطة، أجاد فيها، وأكثر وأطنب، وجمع الصحيح والحسن، ولكن ربما أورد الأحاديث الضعيفة، ولا ينبه على ضعفها " انتهى من"طبقات الشافعيين" (1 / 939).
فمجرد ذكر محب الدين الطبري لحديث في كتابه، لا يعني صحته وثبوته.
فلهذا على المسلم ألا يسارع إلى قبول ما يرد في هذا الكتاب من آثار، حتى يبحث عمن صححها؛ حتى لا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس بثابت.
فينبغي لمن أراد مطالعته أن يختار الطبعة التي تعتني بتخريج أحاديث الكتاب والإشارة، إلى مصادرها في الكتب الحديثية، ليسهل معرفة درجة هذه الآثار التي جمعها.
ثانيا:
أشار المحب الطبري في مقدمة كتابه إلى أن من المراجع التي اعتمدها في تصنيف هذا الكتاب؛ "كتاب سيرة الملا عمر بن محمد بن الخضر".
و"الملا" الظاهر أنها تخفيف للقبه "الملّاء".
قال أبو عبد الله الكتاني رحمه الله تعالى:
" والسيرة لأبي حفص عمر بن محمد الموصلي، المعروف بـ "الملائي" ، لكونه كان يملأ الماء من بير في جامع الموصل احتسابا، وكان إماما عظيما ناسكا زاهدا، في زمن السلطان نور الدين الشهيد، وكان السلطان المذكور يشهر قوله، ويقبل شفاعته لجلالته " انتهى من "الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة" (ص 108).
وكتابه "السيرة" عنوانه "وسيلة المتعبدين".
قال الدكتور عبد الرحمن الفريوائي:
" وهو كتاب كبير وقد طبع بدائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد حديثا، وطريقته، جمع كل ما وجد في الكتب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه" انتهى من "شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه" (1 / 658).
وهذا كتاب تخلو أحاديثه من الأسانيد التي من خلالها يعرف الصحيح من الضعيف، كما يشتهر بأنه يحتوي على جملة من الأحاديث الموضوعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ... وذكر بعضه عمر الملا في "وسيلة المتعبدين" ، وابن سبعين وأمثالهم، ممن يروي الموضوعات المكذوبات، باتفاق أهل المعرفة بالحديث " انتهى من "مجموع الفتاوى" (2 / 239).
وقال رحمه الله تعالى:
" من لا يروي بإسناد - مثل كتاب "وسيلة المتعبدين" لعمر الملا الموصلي، وكتاب "الفردوس" لشهريار الديلمي، وأمثال ذلك - : فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات؛ وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1 / 261).
وحديث تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لفم أبي بكر رضي الله عنه لم نقف له على إسناد، ولم نجده إلا في هذا الكتاب "سيرة المتعبدين" ، وقد علمت أنه لا يخلو من الأحاديث الموضوعة.
ومكانة أبي بكر الصديق مشهورة وثابتة بالنصوص المتفق على صحتها؛ وليست بحاجة إلى مثل هذه الأحاديث التي لا أصل لها.
ثالثا:
مسألة تقبيل اليد والقدم قد مضى بسطها في الجواب رقم : (130154).
والله أعلم.
تعليق