الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم السفر والخروج من البلد الذي انتشر فيه فيروس كورونا

332861

تاريخ النشر : 13-08-2021

المشاهدات : 2113

السؤال

أنا مقيم حاليا بفرنسا التي انتشر فيروس كورونا في بعض محافظاتها، وأود أن أستفسر عن حكم السفر حاليا، هل يحرم بوجود الفيروس؟ مع العلم إن كورونا ليس كالطاعون بتاتا، بل هو أقرب إلى الإنفلونزا الموسمية مع أعراض أكثر حدة، ولا يسبب الموت إلا في حالات محددة، كأن يكون المريض مصابا بأمراض مزمنة أخرى، أو ذا مناعة ضعيفة أو طاعنا في السن، فهل حكمه حكم الطاعون ؟

الحمد لله.

أولا:

النهي عن الدخول إلى أرض فيها الطاعون أو الخروج منها

أما الطاعون فجاء فيه النهي عن الدخول إلى أرض وقع بها، والنهي عن الخروج من أرض وقع بها فرارا منه.

روى البخاري (5739)، ومسلم (2219) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه)

وروى البخاري (3473)، ومسلم (2218) عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ).

والطاعون : قيل : هو مرض خاص معروف عن العلماء والأطباء.

وقيل : بل هو كل مرض عام (وباء) ، يؤدي إلى وفاة الكثيرين من الناس .

قال النووي في "شرح صحيح مسلم" : "الطَّاعُون قُرُوح تَخْرُج فِي الْجَسَد ...

وَأَمَّا ( الْوَبَاء ) فَقَالَ الْخَلِيل وَغَيْره : هُوَ مَرَض الطَّاعُون ، وَقَالَ آخرون : هُوَ كُلّ مَرَض عَامّ ، وَالصَّحِيح الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: أَنَّهُ مَرَض الْكَثِيرِينَ مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْأَرْض ، دُون سَائِر الْجِهَات ، وَيَكُون مُخَالِفًا لِلْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاض، فِي الْكَثْرَة وَغَيْرهَا ، وَيَكُون مَرَضهمْ نَوْعًا وَاحِدًا ، بِخِلَافِ سَائِر الْأَوْقَات ، فَإِنَّ أَمْرَاضهمْ فِيهَا مُخْتَلِفَة ..." انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (6/569): "والطاعون وباء فتاك والعياذ بالله ، قال بعض أهل العلم : إنه نوع خاص من الوباء ، وإنه عبارة عن جروح وتقرحات في البدن تصيب الإنسان ......

وقيل : إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة، كالكوليرا وغيرها ، وهذا أقرب ، فإن هذا إن لم يكن داخلا في اللفظ ، فهو داخل في المعنى، كل وباء عام ينتشر بسرعة : فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيها هذا الوباء ، وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه .

أما خروج الإنسان منها ، لا فرارا منه ، ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ثم انقضت حاجته ، وأراد أن يرجع إلى بلده : فلا بأس" انتهى .

ثانيا:

المنهي عنه هو الخروج من بلد فيها الطاعون لغرض الفرار 

الممنوع هو الخروج من البلد التي وقع فيها الطاعون فرارا منه، وأما من خرج لغرض آخر كتجارة ونحوها، فلا حرج عليه في خروجه منها، اتفاقا.

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث : مَنْع الْقُدُوم عَلَى بَلَد الطَّاعُون ، وَمَنْع الْخُرُوج مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ .

أَمَّا الْخُرُوج لِعَارِضٍ : فَلَا بَأْس بِهِ ...

وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز الْخُرُوج بِشُغْلٍ وَغَرَض غَيْر الْفِرَار ، وَدَلِيله صَرِيح الْأَحَادِيث " انتهى .

وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (21/183)

"وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت ، من موضع الطاعون ، للسفر المعتاد ، إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون" انتهى .

وقد زاد الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (10/1990) هذه المسألة تفصيلا ؛ فذكر أن الخروج من بلد الطاعون له ثلاث حالات :

الأولى : أن يخرج فراراً منه لا لقصد آخر ، فهذا يتناوله النهي بلا شك .

الثانية : أن يخرج لقصد آخر غير الفرار ، كالعمل ونحوه ، فلا يدخل في النهي ، وهذا القسم هو الذي نقل النووي رحمه الله الاتفاق على جوازه .

الحالة الثالة : أن يخرج لعمل أو غيره، ويضيف إلى ذلك قصد السلامة من الوباء ، فهذا قد اختلف العلماء فيه ، وذكر الحافظ ابن حجر أن مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جواز الخروج في هذه الحالة .

وهو ما اختاره الإمام البخاري فإنه قد ترجم في صحيحه : "من خرج من الأرض التي لا تلائمه" ، وساق حديث العرنيين ، يستدل به على جواز ذلك ، وفي هذا الحديث : أن جماعة أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وأظهروا الإسلام ، ولكنهم أصابهم مرض من جو المدينة ، حيث لم يوافق أجسامهم ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتداووا من ذلك بألبان وأبوال الإبل ، فخرجوا من المدينة لأن تلك الإبل كانت في مراعيها .

وقد ذكر البخاري ذلك قبل ذكره للحديث الذي فيه النهي عن الخروج من أرض الطاعون فرارا منه ، فقال الحافظ ابن حجر تعليقا على ذلك :

"قوله : " بَاب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْض لَا تُلَايِمُهُ " ... وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْده، فِي النَّهْي عَنْ الْخُرُوج مِنْ الْأَرْض الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُون : لَيْسَ عَلَى عُمُومه ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوص بِمَنْ خَرَجَ فِرَارًا مِنْهُ ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/110-111) : "وبالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تخرجوا منه ـ أي من البلد الذي وقع فيه ـ فراراً منه) ، فقيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً ، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده ، فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب" انتهى.

ثالثا:

"فيروسات كورونا هي مجموعةٌ من الفيروسات تُسبب أمراضًا للثدييات والطيور. يُسبب الفيروس في البشر عداوَى في الجهاز التنفسي والتي تتضمن الزكام وعادةً ما تكون طفيفةً، ونادرًا ما تكون قاتلةً مثل المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وفيروس كورونا الجديد الذي سبب تفشي فيروس كورونا الجديد 2019-20. قد تُسبب إسهالًا في الأبقار والخنازير، أما في الدجاج فقد تُسبب أمراضًا في الجهاز التنفسي العلوي. لا توجد لقاحاتٍ أو مضاداتٌ فيروسية موافقٌ عليها للوقاية أو العلاج من هذه الفيروسات" انتهى من ويكيبديا.

والحاصل:

أن المنطقة التي تعيش فيها إذا لم يكن هذا الفيروس – كورونا – قد انتشر فيها، وأصبح وباء عاما: فلا حرج عليك في السفر منها مطلقا؛ فليس هذا هو الطاعون المنصوص عليه في السنة، ولم يصبح بعد وباء عاما.

والمعتبر في ذلك: هو المقاطعة التي تقيم أنت فيها. وليس المعتبر "الدولة" بعمومها، ولا المناطق البعيدة عنها.

وأما إذا انتشر في مقاطعتك؛ فإذا قلنا إن النهي عن الفرار عام لكل وباء ؛ فإن من خرج منها لمصلحة أخرى، سوى الفرار من الوباء: لا حرج عليه فيه .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب