الحمد لله.
أولا:
النهي عن التشبه بأهل الكفر في مسلكهم في التخاطب
هذه العبارات هي تقليد محض من قائلها لمقولات أهل الكفر، ومسلكهم في التخاطب، وقد جاء النهي عن التشبه بهم، والسير على آثارهم.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5/109).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهذا إسناد جيد ... وهذا الحديث أقل أحواله: أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )...
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه ( منهم ) : في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لهم كان حكمه كذلك.
وبكل حال: يقتضي تحريم التشبه؛ بعلة كونه تشبها... " انتهى. "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 240–242).
ويضاف إلى هذا التشبه فساد معاني هذه الألفاظ وحرمتها:
حكم قول "ماذا بحقّ الجحيم" (What the hell)
هذه صيغة من صيغ القسم، فـ "الباء" للقسم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله .
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَلاَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ) رواه البخاري (3836)، ومسلم (1646).
وفي رواية للبخاري (2679)، ومسلم (1646): أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ).
وعن ابْن عُمَرَ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أبو داود (3251)، والترمذي (1535) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ "، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (8/189).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" – ومن الكبائر- الحلف بغير الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله، فقد أشرك )، وقد قصّر ما شاء أن يقصر من قال: إن ذلك مكروه، وصاحب الشرع يجعله شركا ، فرتبته فوق رتبة الكبائر" انتهى. "إعلام الموقعين" (6/ 571-572).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" والحلف بغير الله شرك أكبر؛ إن اعتقد أن المحلوف به مساو لله تعالى في التعظيم والعظمة، وإلا فهو شرك أصغر " انتهى من"القول المفيد" (2/214).
ويزداد القبح في ذلك القسم، والإيغال في مشابهة الكافرين: إذا كان قسما بـ"حق الجحيم"؛ فأي حق للجحيم، على عباد الله ، يقتضي حرمته ، أو تعظيم الجحيم، حتى يُحلف به ؟!
ثانيا :
حكم قول "يا إله" أو "يا الله" (Oh God)
هذه الكلمة معروفة من لغة غير المسلمين ، وقد يطلقونها، أو يطلقها من يطلقها منهم : ويريد بها الله جل جلاله.
وقد يطلقونها، وهذا هو الأكثر، ويريدون بها "الإله" أو "الرب" ؛ ومرادهم: الرب الذي يعبدونه من دون الله ، فتكون شركا أكبر .
وما دامت الكلمة تحتمل معنى باطلا ، وهي من شعار الكفار، أو من استعمالهم الغالب، دون المسلمين، خاصة في ذلك الأمر التوقيفي الضيق: فالواجب على مسلم اجتنابها، واستعمال ما هو من خصائص لغته، وشعار دينه.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : راعنا . من المراعاة ، التي هي الاهتمام بالشيء ، ولكن اليهود لمكرهم وخبثهم ، كانوا يقولونها ويريدون بها السب ، من الرعونة ، فنهى الله تعالى المؤمنين عن قول هذه الكلمة ، وأمرهم أن يقولوا الكلام الطيب الذي لا احتمال فيه ، مع أنهم كانوا لا يقصدون بها إلا خيرا .
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة/104.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 61) :
"كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: رَاعِنَا أي: راع أحوالنا، فيقصدون بها معنى صحيحا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة، سدا لهذا الباب، ففيه : النهي عن الجائز، إذا كان وسيلة إلى محرم، وفيه الأدب، واستعمال الألفاظ، التي لا تحتمل إلا الحسن، وعدم الفحش، وترك الألفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق، فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن فقال: وَقُولُوا انْظُرْنَا فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور" انتهى .
ثالثا :
حكم قول "المسيح" (Jesus)
فلا شك أن هذا محرم وشرك، فإن هذا دعاء للمسيح واستعانة أو استغاثة به، ودعاء غير الله تعالى شرك، والمسيح عليه السلام هو عبد الله ورسوله، لا يملك بعد أن رفعه الله إليه أن يغيث أحدا أو يعنيه.
رابعاً :
حكم قول كلمة "اللعنة" (damn)
هذه اللفظة مما ينبغي للمسلم تركه وعدم التلفظ به ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (7 / 60)، والترمذي (1977).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم (2598).
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى:
" اللعن هو لغة: الطرد والإبعاد. وفي الشرع: الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى.
والأصل الشرعي: تحريم اللعن، والزجر عن جريانه على اللسان، وأن المسلم ليس بالطعان ولا اللَّعَّان، ولا يجوز التلاعن بين المسلِمين، ولا بين المؤمنين، وليس اللعن من أخلاق المسلمين ولا أوصاف الصديقين، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعْنُ المسلم كقتله) متفق عليه.
واللَّعَّان قد جرت عليه نصوص الوعيد الشديد؛ بأنه لا يكون شهيداً، ولا شفيعاً يوم القيامة، ويُنهى عن صحبته، ولذا كان أكثر أهل النار: النساء؛ لأنهن يُكثرن اللعن، ويكفرن العشير. وأن اللعان ترجع إليه اللَّعْنةُ، إذا لم تجد إلى من وجهت إليه سبيلاً.
ومن العقوبات المالية لِلَّعَّان: أنه إذا لعن دابة تُركت.
وقد بالغت الشريعة في سد باب اللعن عمن لم يستحقه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن الديك، وعن لعن البرغوث، فعلى المسلم الناصح لنفسه حفظ لسانه عن اللعن، وعن التلاعن، والوقوف عند حدود الشرع في ذلك... " انتهى من "معجم المناهي اللفظية" (ص 456 - 457).
خامسا:
حكم قول "البقرة المقدسة" (holy cow)
فلفظة: "التقديس" وإن كانت قد استعملت من العرب؛ إلا أن المستقر في الاستعمال بين الناس هو المعنى الذي جاء في نصوص الشرع، ويراد بها التطهير الرباني، وما يتبعه من الرفعة والقرب عند الله تعالى.
قال أبو الحسين أحمد بن فارس رحمه الله تعالى:
" (قَدَسَ)، - الْقَافُ وَالدَّالُ وَالسِّينُ- أصل صحيح، وأظنّه من الكلام الشّرعيّ الإسلاميّ، وهو يدلّ على الطُّهر.
ومن ذلك : الأرض الْمُقَدَّسة هي المُطَهَّرَة. وتسمّى الجنّة حَظِيرَة القُدْس، أي الطُّهْر. وجبرئيل عليه السّلام رُوح القُدُس. وكلّ ذلك معناه واحد... " انتهى من"معجم مقايييس اللغة" (5/63).
وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى:
" التَّقْدِيسُ: التّطهير الإلهيّ المذكور في قوله: ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )، دون التّطهير الذي هو إزالة النّجاسة المحسوسة... " انتهى من"المفردات" (ص 660).
وهو المتعارف عليه بين عامة الناس أن "الشيء المقدس" : هو الذي له مكانة وكرامة عند الله تعالى.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فأي تقديس للبهائم، وأية بقرة مقدسة تلك التي يعرفها المسلمون، أو يتنادون بتقديسها؟!
وهل هذا إلا محض المشابهة القبيحة لكلام الكفار، وتلفظهم بمثل ذلك، دون عقل يردع، أو شرع يحترم ويعظم من قائل ذلك السفه؟!
وقد قال الله تعالى، في أمثال هؤلاء، ممن نقلوا الكلام المفترى المصادم لشرع الله وأدبه لعباده، وبيان قبح من تلقى الكلام بلسانه، فتناقله، من غير أن يتبين موقعه، ولا أدب الشرع فيه : ( وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) النور/15.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)رواه البخاري (6477)، ومسلم (2988).
وعلى هذا ، فالواجب على المسلم أن يجتنب هذه الألفاظ المحرمة والتي قد يصل بعضها إلى الشرك بالله تعالى .
والله أعلم.
تعليق