الحمد لله.
أولا: سب الله تعالى: كفر وردة
سب الله تعالى: كفر وردة عن الإسلام إجماعا، وكيف يكون عند مسلم شك في هذا، وإذا لم يكن سب الله تعالى كفرا، فماذا يكون الكفر؟!
ثانيا: إذا ندم الساب وتاب إلى الله تعالى، ثم أتى بالشهادتين، صح إسلامه
إذا ندم الساب وتاب إلى الله تعالى، ثم أتى بالشهادتين، صح إسلامه، ولو كان أتى بالشهادتين شاكا في حصول الكفر؛ فإن المطلوب هو التوبة وقد حصلت، والتوبة من الذنب تجبّه ولو لم يعلم الإنسان نوع الذنب أو درجته.
ويشهد لذلك ما روى البخاري في "الأدب المفرد" (716) عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ قال: " انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ وصححه الألباني.
قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/ 55): "تلزم التوبة شرعا... كل مسلم مكلف قد أثم، من كل ذنب، وقيل: غير مظنون. قال في نهاية المبتدئين: تصح التوبة مما يُظن أنه إثم، وقيل لا، ولا تجب بدون تحقق إثم، والحق وجوب قوله: إني تائب إلى الله من كذا وأستغفر الله منه، والقول بعدم صحة توبته هو الذي ذكره القاضي مذهبا؛ لأن التوبة هي الندم على ما كان منه، والندم لا يتصور مشروطا [مثلا يقول: إن كنت فعلت ذنب كذا، فأنا تائب منه]؛ لأن الشرط إذا حصل بطل الندم.
قال القاضي: وإذا شك في الفعل الذي فعله هل هو قبيح أم لا؟ فهو مفرط في فعله، وتجب عليه التوبة من هذا التفريط، ويجب عليه أن يجتهد بعد ذلك في معرفة قبح ذلك الفعل أو حسنه؛ لأن المكلف أُخذ عليه أن لا يقدم على فعل قبيح، ولا على ما لا يأمن أن يكون قبيحا، فإذا أقدم على فعل يشك أنه قبيح، فإنه مفرط، وذلك التفريط ذنب تجب التوبة منه. وأصل هذه المسألة مذكور في آخر باب الأمانة.
قال الشيخ تقي الدين: فمن تاب توبة عامة، كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها، إلا أن يعارض هذا العام معارض يوجب التخصيص، مثل أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه، لقوة إرادته إياه، أو لاعتقاده أنه حسن، وتصح من بعض ذنوبه في الأصح" انتهى.
ودخوله في الإسلام يكون بالشهادتين، وقد حصل ذلك بنية الدخول في الإسلام لو كان قد خرج منه، فاجتمع له: توبة من الذنب، وإتيان بالشهادتين بنية الدخول في الإسلام، وحصل له تردد في درجة الذنب، وهذا غير مؤثر.
وللفقهاء في هذه المسألة كلام مشهور في الحكم على الظاهر.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/ 21): " إذَا ثَبَتَتْ رِدَّتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، لَمْ يُكْشَفْ عَنْ صِحَّةِ مَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ [أي: لا نسأله عما شهد به الشهود عليه ونتحقق من ذلك]، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ الْإِقْرَارَ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ هَذَا يَثْبُتُ بِهِ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَكَذَلِكَ إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ".
ثم قال: " وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى رِيَاءً وَتَقِيَّةً.
وَلَنَا: أَنَّ مَا كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ. وَاحْتِمَالُ التَّقِيَّةِ وَالرِّيَاءِ، يَبْطُلُ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا" انتهى.
وإذا أراد قطع الشك باليقين فليجدد التوبة ويأتي بالشهادتين، ولم يكن من الصواب أن ينتظر جوابا آخر لسؤاله، فإن الأمر الذي يلزمه يسير، أن يجدد توبته ، وينطق بالشهادتين، وهذا مما يوجب البدار إليه، ثم ليسأل بعد ذلك ما بدا له، أما أن ينتظر في قلق، وفي حال حصل له الشك في أمره، ولا يدري ما عليه فيه : فليس من الصواب ولا من الحكمة في شيء.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (288044) .
والله أعلم.
تعليق