الحمد لله.
هذه المسألة الهامة - كما ذكرت- يلزم فيها الاطلاع على العقد، ولا يكتفى بالنقل الذي قد يخطئ أو لا يحيط بجوانب العقد.
وبالجملة فمثل هذه المعاملات لا تجوز إلا بشروط:
1-أن يكون القرض حسنا، فلا تشترط فيه زيادةٌ، مهما قَلَّت.
ويستثنى من ذلك: التكلفة الفعلية لاستخراج القرض، ولا تكون هذه التكلفة نسبةً من المبلغ المقترض، بل مبلغ مقطوع، وكل زيادة يأخذها البنك فوق التكلفة الفعلية فهي ربا.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية:
أولاً: يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض، على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.
ثانياً: كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة، لأنها من الربا المحرم شرعاً " انتهى من "مجلة المجمع"، (ع 2، ج 2/ص 527).
وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس، بخصوص موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها:
" أن تقدم الدولة للراغبين في تملك مساكن، قروضاً مخصصة لإنشاء المساكن، تستوفيها بأقساط ملائمة، بدون فائدة، سواء أكانت الفائدة صريحة، أم تحت ستار اعتبارها (رسم خدمة).
على أنه إذا دعت الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها، وجب أن يقتصر فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض" انتهى من "مجلة المجمع" (ع 5 ج 4 ص 2773، ع 6 ج 1 ص 81).
2-عدم وجود شرط ربوي، كغرامة على التأخر في السداد، وهذا الشرط محرم، ولا يجوز التوقيع عليه ولو مع العزم على السداد كما بينا في عدة فتاوى.
وينظر: جواب السؤال رقم : (97846).
وهنا قد يقال إن الحاجة الشديدة تبيح الاقتراض مع وجود هذا الشرط، إذا كان المقترض عازما على السداد في الوقت، ويغلب على ظنه أنه لن يتأخر لسبب من الأسباب.
وقد سبق أن عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" بطاقة الفيزا تشتمل على شرط ربوي، إذا تأخرت عن التسديد جعلوا عليّ غرامة، لكن المكان الذي أقيم فيه في أمريكا لا يمكن لي أن أستأجر سيارة ولا محلا، وكثير من الخدمات العامة لا تمكن إلا ببطاقة الفيزا، وإذا لم أتعامل بها أقع في حرج كبير لا أطيقه، فهل التزامي بالتسديد في وقت معين حتى لا يصبح عليّ ربا يبيح لي التعامل بهذه البطاقة في وضع الحرج الذي أعيش فيه؟
فأجاب بما يلي:
إذا كان الحرج متيقنا، واحتمال التأخير عن التسديد ضعيف؛ فأرجو أن لا يكون فيها بأس.
سؤال: هل الشرط الربوي الفاسد يُبطل العقد أم لا؟
الجواب: وإن كان في العقد شرط باطل، فإنه لا يُبطل العقد لأمور:
(1) الضرورة، (2) ولأنه لا يتحقق، لأن الرجل غالب على ظنه أنه سيوفي، فمن أجل أنه غالب على ظنه أنه سيوفي، والشرط غير متحقق، ومن أجل الضرورة - وهذه هي النقطة الأخيرة والمهمة - : فأرجو أن لا يكون في هذا بأس؛ لأن عندنا أمرا متحققا وهو الضرورة، وعندنا أمر مشكوك فيه وهو التأخر، فمراعاة المتيقن أولى. والله أعلم " انتهى.
3- يجوز اشتراط ضامن أو كفيل غارم، لكن لا يجوز للكفيل أخذ أجرة على الكفالة، لا نسبة من الدين، ولا أجرة مقطوعة؛ لأنها عقد تبرع، ولأن العميل إذا لم يسدد ما عليه، ستدفع عنه الشركة الضامنة، فيؤول الأمر إلى قرض جر منفعة وهو ربا.
قال ابن المنذر رحمه الله: " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحمالة، بجُعْل يأخذه الحميل: لا تحل، ولا تجوز" انتهى من "الإشراف على مذاهب أهل العلم" (6/ 230).
والحمالة: الكفالة.
وقال ابن قدامة في "المغني" (6/ 441): "ولو قال: اكفل عني ولك ألف لم يجز ; لأن الكفيل يلزمه الدين، فإذا أداه وجب له على المكفول عنه, فصار كالقرض , فإذا أخذ عوضا صار القرض جارا للمنفعة , فلم يجز " انتهى باختصار.
فإذا توفرت هذه الشروط فلا حرج في المعاملة.
وإذا اختل شيء منها، لم تجز.
ولا يجوز الدخول في العقد الربوي إلا عند الضرورة، ويرجع في بيانها إلى جواب السؤال رقم : (94823) .
وهذه أصول عامة ، ذكرناها لهذه المعاملة وأمثالها؛ وأما خصوص العقد المذكور، فإنه يلزم الاطلاع عليه وعلى تفاصيله ، قبل الكلام عليه بعينه، كما قدمنا.
وإذا كان البنك يريد المساعدة، وإنقاذ الاقتصاد، فإما أن يقرض-من ماله وليس من أموال العملاء- قرضا حسنا، خاليا من المحاذير، أو يستعمل البدائل المشروعة كالمرابحة، والشركة، وغيرها.
والله أعلم.
تعليق