الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم الاستعانة برجل بلطجي لأخذ الحق

336058

تاريخ النشر : 25-07-2022

المشاهدات : 3397

السؤال

أمتلك مصنعا صغيرا لتصنيع ماكينات، في سنة 2019 قام أخ مسلم بشراء ماكينات، وتم دفع ثمنهم عن طريق شيكات بنكية، للأسف الشيكات كانت بدون رصيد، وتم التواصل مع العميل، واعتذر مرارا وتكرارا، قائلا: إن عنده مشكلة في السيولة النقدية، وأن له أموالا في السوق متأخرة إلي آخره، هذا العميل يملك مصنعا، وسيارة، وبيت، أقصد أنه ميسور الحال، اتفقت مع العميل على دفع المبلغ المتأخر في شهر 11 من العام الماضي، ولكنه أخل بالموعد، ولم يدفع، واتفقنا مرة أخرى في شهر 12، ومرة أخرى في شهر 1 من هذا العام، وأيضا شهر 2، ولكن في كل مرة يخلف، ولا يلتزم بموعد، ودائما يدعي المشاكل، وأنه عليه التزامات كثيرة، في شهر 3 من هذا العام ذهبت لقسم الشرطة، وقدمت طلب بالشيكات المرفوضة، واتبعت القوانين الرسمية في بلدنا، ولكن للأسف بدأ هذا الوباء الكورونا، وتم تعطيل كل الدعاوى القضائية، والله وحده أعلم متى تنكشف هذا الغمة، الخوف من التدهور الاقتصادي بعد مرور هذا الوباء بإذن الله، وخسارة قيمة المال بسبب التضخم الناتج من الركود المتوقع. السؤال هو: علمت أنه يوجد رجل بلطجي يمكن أن يذهب إليه ويحضر المال المتفق عليه بالإكراه مقابل مبلغ مالي يأخذه من العميل نفسه زيادة علي المال المستحق عليه، فهل يجوز استئجار هذا الرجل؟ وإن كان لا يجوز بسبب المبلغ الزائد، فهل يجوز لو استقطعت أجر الرجل من مالي الخاص حتي لا نأخذ من العميل إلا المبلغ المستحق عليه فقط؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

من كان له حق عند مماطل غير معسر، جاز له أن يستعين بمن يمكنه أخذه منه، بشرط عدم الوقوع في منكر من إهانة أو ضرب أو تهديد بقتل أو خطف ونحوه؛ لأن ذلك عدوان محرم.

والغالب أن البلطجي سيقع في شيء مما ذكرنا، لا سيما مع قوله إنه سيأخذ المال بالإكراه، فيحرم الاستعانة به.

لكن إن كنت تثق أنه لن يقع في منكر، فلا حرج حينئذ.

وبعض الناس متى علم أن مثل هذا "البلطجي" قد تدخل في الأمر، فإنه يؤثر السلامة، من غير أن يناله ضرب، أو يُعتدى عليه. فإن كان الأمر كذلك، فلا بأس من الاستعانة به.

ويمكن الاستعانة بغيره من الوجهاء.

والأصل في ذلك أن المماطلة لا تبيح الشتم ولا الضرب، وإنما تبيح الشكاية، أو ذكره بما حصل منه ، كأن يقال له: يا ظالم يا معتدي، ونحو ذلك.

وتبيح الحبس من قبل الحاكم، كما روى أحمد (17946)، وأبو داود (3628)، والنسائي (4689)، وابن ماجه (2427) عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ  قال ابْنُ الْمُبَارَكِ: "يُحِلُّ عِرْضُهُ: يُغَلَّظُ لَهُ، وَعُقُوبَتَهُ: يُحْبَسُ لَهُ.

وقَالَ وَكِيعٌ: " عِرْضُهُ: شِكَايَتُهُ، وَعُقُوبَتُهُ: حَبْسُهُ "والحديث حسنه الألباني.

قال ابن قدامة: "إذا امتنع الموسر من قضاء الدين، فلغريمه ملازمته، ومطالبته، والإغلاظ له بالقول، فيقول: يا ظالم، يا معتد، ونحو ذلك؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لي الواجد، يحل عقوبته وعرضه . فعقوبته حبسه، وعرضه أي يحل القول في عرضه بالإغلاظ له. وقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: مطل الغني ظلم . وقال: «إن لصاحب الحق مقالا " انتهى من "المغني" (4/ 341).

وقال العمراني، رحمه الله: " وقوله: (الواجد) يعني: الغني. وهذا كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مطل الغني ظلم وقوله: (يحل عرضه) لم يرد به: أنه يقذفه، ويطعن في نسبه، وإنما يقول: يا ظالم، يا متعد. وقوله: (عقوبته) يعني: حبسه وتعزيره، وهو كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لصاحب الحق اليد واللسان . وأراد باليد: الملازمة، وباللسان: أن يقول: يا ظالم، يا مطال" انتهى، من "البيان" (6/135).

وقال الكمال الدميري: " "ومعنى قوله: (وعرضه) أن لصاحب الدين أن يذمه ويصفه بسوء القضاء.". انتهى، من "النجم الوهاج" (4/378).

 ثانيا:

يجوز دفع أجرة لمن يُحَصِّل المال، مقابل سعيه وعمله، سواء أعطي نسبة من المال، أو شيئا مقطوعا.

قال في "كشاف القناع" (3/ 525): " (وبيع متاعه بجزء مشاع من ربحه، واستيفاء مال بجزء منه ونحوه)" انتهى.

ثالثا:

يجوز إلزام المماطل بدفع ما غرمه صاحب الحق للوصول إلى حقه، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، أي دون زيادة مبالغ فيها.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره ، وغرم أجرة الرحلة. هل الغرم على المدين؟ أم لا؟

فأجاب: الحمد لله، إذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك ، فهو على الظالم المماطل، إذا غرمه على الوجه المعتاد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 24).

 وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/ 419): " (ولو مطل) المدين رب الحق (حتى شكا عليه، فما غرمه) رب الحق (فعلى) المدين (المماطل)، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، ذكره في الاختيارات؛ لأنه تسبب في غرمه بغير حق.

(وفي الرعاية: لو أحضر مدعى به ، ولم يثبت للمدعي : لزمه) أي المدعي (مؤنة إحضاره ، و) مؤنة (رده) إلى موضعه ؛ لأنه ألجأه إلى ذلك بغير حق " انتهى.

 وقال في (4/ 116): " ومثله من شكا إنسانا ظلما ، فأغرمه شيئا لحاكم سياسي ، كما أفتى به قاضي القضاة الشهاب ابن النجار ، ولم يزل مشايخنا يفتون به، بل لو غرمه شيئا لقاض ظلما ، كان [له] الرجوعُ به عليه ، كما يُعلم مما تقدم في الحجر فيما غرمه رب الدين بمطل المدين ونحوه؛ لأنه بسببه" انتهى.

 فلك تغريم المماطل مصاريف الدعوى، أو ما يأخذه البلطجي إن كان مبلغا معقولا، ويمكن تقديره بتكلفة المقاضاة، وأتعاب المحاماة المعهودة عندكم، في مثل ذلك . لكن بشرط ألا يقع البلطجي في منكر، كما تقدم.

 والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب