الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

ترجمة الإمام : ابن عقيل الحنبلي ونبذة عن كتابه " الفنون " .

336079

تاريخ النشر : 20-12-2020

المشاهدات : 28969

السؤال

يقال إن أحد أعظم علماء الإسلام يُدعى أبو الوفا بن عقيل الحنبلي كتب كتاباً يسمى "كتاب الفنون"، وهو يصل إلى ٨٠٠ مجلّد، وفي ذات الوقت قيل إنه قد فُقِد، فهل هذا صحيح؟ وهل لديه كتب أخرى غير الكتاب المذكور أعلاه؟ ومن هو ابن عقيل؟ وما هو اعتقاده وعلمه في الإسلام؟ هل هناك اختصار لهذا الكتاب؟

ملخص الجواب

قال الحافظ ابن حجر عن الإمام أبي الوفاء بن عقيل : هذا الرجل من كبار الأئمة ، نعم كان معتزليا ؛ ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته. ثم صنف في الرد عليهم وقد أثنى عليه أهل عصره ومن بعدهم وأطراه ابن الجوزي وعول على كلامه في أكثر تصانيفه.  ولابن عقيل رحمه الله تصانيف كثيرة في أنواع العلم .

الحمد لله.

أولا: بالتعريف بالإمام ابن عقيل 

التعريف بالإمام ابن عقيل الحنبلي :

هو الإمام العلامة البحر ، شيخ الحنابلة ، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي ، الظفري ، الحنبلي ، المتكلم ، صاحب التصانيف .

وُلد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في جمادى الآخرة .

ونقل عنه عَلي بن مسعود بن هبة الله البزار أنه قَالَ : ولدت في جُمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ، وتفقهت في سنة سبع وأربعين.

وكان يسكن الظفرية ، ومسجده بها مشهور.

وحفظ القرآن ، وقرأ بالروايات القرآن على أبي الفتح بن شيطا ، وغيره .

من شيوخه : أَبُو القاسم بن برهان ، أَبُو بَكْرٍ الدينوري ، ابن النوري ، وأَبُو بَكْرِ بن بشران ، والعشاري ، والجوهري ، القاضي أَبُو يعلى ، والشيخ أَبُو إسحاق الشيرازي ، وأَبُو الفضل الهمذاني وغيرهم .

قال ابن الجوزي : وأفتى ابن عقيل ، ودرَّسَ وناظر الفحول ، واستفتي في الديوان في زمن القائم، في زمرة الكبار . وجمع علم الفروع والأصول وصنَّف فيها الكتب الكبار . وكان دائم التشاغل بالعلم ، حتى إني رأيتُ بخطه : إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عُمري ، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة ، وبصري عن مطالعةٍ ، أعملتُ فكري في حال راحتي ، وأنا مستطرح ، فلا أنهض إلاَّ وقد خطر لي ما أسطره . وإني لأجدُ من حرصي على العلم . وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجدُه وأنا ابن عشرين سنة .

قال : وكان له الخاطر العاطر ، والبحث عن الغامض والدقائق ، وجعل كتابه المسمى بـ " الفنون " مناطا لخواطره وواقعاته . من تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل .

قال : وقرأت بخطه . قَالَ : وأنا في سن الثمانين وما أرى نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر، وقوة البصر ، لرؤية الأهلة الخفية ، إلا أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة .

قال ابن الجوزي : وكان ابن عقيل قوي الدين ، حافظا للحدود . وتوفي له ولدان ، فظهر منه من الصبر ما يُتعجب منه . وكان كريما ينفق ما يجد ، ولم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه . وكانت بمقدار كفنه ، وقضاء دينه .

وكان ابن عقيل رحمه الله عظيم الحرمة ، وافر الجلالة عند الخلفاء والملوك .

وكان شهما مقدامًا ، يُواجه الأكابر بالإنكار بلفظه ، وخطه ، حتى إنه أرسل مرة إلى حماد الدباس ، مع شهرته بالزهد والمكاشفات ، وعكوف العامة عليه ، يتهدده في أمر كان يفعله ويقول له : إن عدتَ إلى هذا ضربتُ عنقك .

وقد كان ابن عقيل على مذهب المعتزلة ، ثم تاب منه ، وصنف في الرد عليهم .

قال الحافظ ابن حجر : " وهذا الرجل من كبار الأئمة ، نعم كان معتزليا ؛ ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته. ثم صنف في الرد عليهم وقد أثنى عليه أهل عصره ومن بعدهم وأطراه ابن الجوزي وعول على كلامه في أكثر تصانيفه " انتهى من "لسان الميزان" (5/ 564) .

توفي رحمه الله بكرة الجمعة ، ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاثة عشرة وخمسمائة - وقيل : توفي سادس عشر الشهر - والأول : أصح . وصُلي عليه في جامعي القصر والمنصور .

وكان الإمام عليه في جامع القصر ابن شافع. وكان الجمعُ يفوت الإحصاء.

قال ابن ناصر: حزَرْتُهم بثلاثمائة ألف . ودُفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه . وقبره ظاهر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

قال ابن ناصر : فما كان في مذهبنا أحدٌ مثله .

ينظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (19/ 443)،  و"ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب (1/ 316).


ثانيا: مؤلفات الإمام ابن عقيل

لابن عقيل رحمه الله تصانيف كثيرة في أنواع العلم .

وأكبر تصانيفه : كتاب  " الفنون " وهو كتاب كبير جدا ، فيه فوائد كثيرة جليلة ، في الوعظ ، والتفسير ، والفقه ، والأصلين ، والنحو ، واللغة ، والشعر ، والتاريخ ، والحكايات ، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له ، وخواطره ونتائج فكره قَيَّدَها فيه .

قال ابن الجوزي : وهذا الكتاب مائتا مجلد . وقع لي منه نحو من مائة وخمسين مجلدة .

وقال عبد الرزاق الرسعني في "تفسيره" . قَالَ لي أَبُو البقاء اللغوي : سمعتُ الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول : وقفتُ على السَّفر الرابع بعد الثلاثمائة من كتاب الفنون .

وقال الحافظ الذهبي في "تاريخه" : لم يُصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب . حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة .

قلتُ : وأخبرني أَبُو حفص عمر بن علي القزويني ببغداد ، قَالَ : سمعتُ بعض مشايخنا يقول : هو ثمانمائة مجلدة .

وهذا الكتاب مفقود ، وما وجد منه إلا جزء يسير في فرنسا ، طبع في مجلدين بتحقيق : جورج المقدسي. 

وذكر بعض المحققين أن في هذه الطبعة أخطاء فاحشة ؛ فلا يعتمد على ما طبع منه !

وله مصنفات أخرى في الفقه كتاب : " الفصول " ، ويُسمى : " كفاية المفتي " في عشر مجلدات ، وكتاب : " عمدة الأدلة "، وكتاب " المفردات "، وكتاب " المجالس النظريات "، وكتاب " التذكرة " مجلد ، وكتابُ " الإشارة " مجلد لطيف، وهو مختصر كتاب " الروايتين والوجهين "، كتاب " المنثور ".
وفي الأصلين كتاب " الإرشاد في أصول الدين "، وكتاب " الواضح في أصول الفقه "، و" الانتصار لأهل الحديث " وغير ذلك .

ينظر : "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب (1/ 344).

وقد كان لأبي الوفاء رحمه الله مقالات في العقائد والأصول، خالف بها مسلك السلف، وطريقتهم في الإثبات، لا سيما في أبواب الصفات ، أنكر عليه جمع من حنابلة زمانه، وقاموا عليه لأجلها.

قال الذهبي رحمه الله: " وأخذ علم العقليات عن شيخي الاعتزال: أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبي الحسين البصري، فانحرف عن السنة " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (19/444).

وقد قال عن نفسه : " كان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علما نافعا." .

قال الذهبي معقبا على ذلك : " قلت: كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزلة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم، وتجسر على تأويل النصوص - نسأل الله السلامة –" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (19/447).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب