الحمد لله.
أولا:
الاعتكاف هو لزوم مسجد لطاعة الله، فهو مختص بالمساجد، لا يصح في غيرها، سواء كان المعتكف رجلا أو امرأة.
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يصح الاعتكاف في غير مسجد، إذا كان المعتكف رجلا .
لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا .
والأصل في ذلك قول الله تعالى : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ؛ فخصها بذلك , ولو صح الاعتكاف في غيرها , لم يختص تحريم المباشرة فيها ; فإن المباشرة محرمة في الاعتكاف مطلقا .
وفي حديث عائشة قالت : (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه , وهو في المسجد , فأرجله , وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا) . وروى الدارقطني بإسناده عن الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب عن عائشة في حديث : (وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان , ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة)" انتهى من "المغني" (3/65) .
والمرأة كالرجل عند الجمهور، فليس لها اعتكاف إلا في المسجد.
وينظر: جواب السؤال رقم : (50025).
وعليه فمن كان مسموحا له بالبقاء في المسجد في وقت الحظر، كالإمام أو المؤذن أو العامل، فله أن يعتكف.
ثانيا:
من لم يُسمح له بالبقاء في المسجد، وكان قد اعتاد الاعتكاف، فيشرع له أن يقضيه إذا زال الحظر، في شوال أو غيره، أو أن يعتكف في رمضان القادم عشرين يوما.
وقد روى البخاري (2033)، ومسلم (1172) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الأَخْبِيَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟! فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (4/ 276): " وكأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يكون الحامل لهن على ذلك : المباهاة ، والتنافس الناشئ عن الغيرة ، حرصا على القرب منه خاصة ؛ فيخرج الاعتكاف عن موضوعه .
أو لما أذن لعائشة وحفصة أولًا ، كان ذلك خفيفا بالنسبة إلى ما يفضي إليه الأمر من توارد بقية النسوة على ذلك ، فيضيق المسجد على المصلين .
أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده ، يصيره كالجالس في بيته ، وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة ، فيفوت مقصود الاعتكاف .
قوله : فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال...
قال الإسماعيلي : فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم ، لأن أول شوال هو يوم الفطر ، وصومه حرام. وقال غيره: في اعتكافه في شوال: دليل على أن النوافل المعتادة، إذا فاتت؛ تقضى استحبابا" انتهى.
روى أبو داود (2463)، وابن ماجه (1770) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، اعْتَكَفَ عِشْرِينَ لَيْلَةً ".
وروى نحوه الترمذي (803) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .
ورواه أحمد (21277) عن أبي بن كعب بلفظ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَسَافَرَ سَنَةً، فَلَمْ يَعْتَكِفْ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا "
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"، وشعيب في تحقيق المسند.
ففي الأمر سعة والحمد لله، ونسأل الله أن يرفع البلاء والوباء.
والله أعلم.
تعليق