الحمد لله.
أولا:
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ .
رواه أبو داود (61)، والترمذي (3)، وقال: " هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ "، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/ 8 - 9)، حيث قال: "الحديث صحيح بلا شك؛ فإن له شواهد يرقى بها إلى درجة الصحة" انتهى.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى:
" والسلام من الصلاة: بمنزلة الإحرام لها في جميع حالاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جمع بينهما فقال: ( تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم).
فكما لا يدخل في الصلاة إلا بتكبيرة ينوي بها الدخول في الصلاة والتحرم بها، فكذلك لا يخرج منها إلا بتسليمة ينوي بها الخروج من الصلاة والتحلل منها " انتهى من "المقدمات الممهدات" (1 / 175).
وجمهور أهل العلم وهم القائلون بفرضية التسليم؛ إنما الفرض عندهم التسليمة الواحدة، أما الثانية فهي سنة عند جماهيرهم.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" وكل من أحفظ عنه من أهل العلم يجيز صلاة من اقتصر على تسليمة، وأحب أن يسلم تسليمتين، للأخبار الدالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجزيه أن يسلم تسليمة " انتهى من "الأوسط" (3/223).
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" والقائلون بالتسليمتين: أكثرهم على أنه لو اقتصر على تسليمة واحدة أجزأه، وصحت صلاته، وذكره ابن المنذر إجماعاً ممن يحفظ عنه من أهل العلم.
وذهب طائفة منهم إلى أنه لا يخرج من الصلاة إلا بالتسليمتين معا...
ومن ذهب إلى قول الجمهور، قال: التسليم مصدر، والمصدر يصدق على القليل والكثير، ولا يقتضي عددا، فيدخل فيه التسليمة الواحدة.
واستدلوا بأن الصحابة قد كان منهم من يسلم تسليمتين، ومنهم من يسلم تسليمة واحدة، ولم ينكر هؤلاء على هؤلاء، بل قد روي عن جماعةٍ منهم التسليمتان والتسليمة الواحدة، فدل على أنهم كانوا يفعلون أحياناً هذا وأحياناً هذا، وهذا إجماع منهم على أن الواحدة تكفي " انتهى من "فتح الباري" (7 / 373 – 374).
ثم إن الصفة المجزئة عندهم هي جملة: "السلام عليكم".
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" واختلفوا في صفة التسليم:
فقالت طائفةٌ: صفة التسليم: "السلام عليكم ورحمه الله".
وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، إليه ذهب أكثر العلماء.
ولو اقتصر على قوله: "السلام عليكم": أجزأه عند جمهورهم، ولأصحاب أحمد فيه وجهان...
وقالت طائفة: بل يقتصر على قوله: "السلام عليكم" بكل حال، وهو قول مالك، والليث بن سعد، وروي عن علي وغيره.
وكذلك هو في بعض روايات حديث جابر بن سمرة المرفوع.
وفي بعضها زيادة: ( ورحمة الله ).
وقد خرجه مسلم بالوجهين " انتهى من "فتح الباري" (7 / 375 – 376).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (11 / 314 - 315):
" التسليمة الأولى للخروج من الصلاة حال القعود فرض عند المالكية والشافعية والحنابلة.
وزاد الحنابلة فرضية الثانية أيضا؛ إلا في صلاة جنازة ونافلة؛ لأن الجزء الأخير من الجلوس الذي يوقع فيه السلام فرض.
ولا بد من نطق: "السلام عليكم" بالعربية، بتقديم " السلام " وتأخير " عليكم ". وهذا للقادر...
وأقل ما يجزئ في التسليم عند الشافعية والحنابلة قوله: "السلام عليكم"... وأكمله "السلام عليكم ورحمة الله " يمينا وشمالا " انتهى.
وجاء في "التاج والإكليل" في الفقه المالكي (2 / 218 - 219):
" في متن "التلقين": الواجب من التسليم مرة، ولفظه متعين، وهو أن يقول: "السلام عليكم" لا يجزئ غيره " انتهى.
ثانيا:
لم توضح وجه الخطأ في السلام.
لكن مما سبق؛ يتبيّن أن للسلام صفة مجزئة، وصفة كمال، فالخطأ في السلام على حالين:
الحالة الأولى: أن يكون الخطأ مخلا بالصفة التي يتحقق بها فرض السلام، بحيث لا تأتي بالصفة المجزئة؛ كأن تأتي بلفظ آخر بدله، كأن تكبر، أو تنساه وتسقطه.
ففي هذه الحال: الصلاة لم تكتمل بدون السلام.
فإن تذكر المصلي هذا السهو بعد وقت قريب، كأن يتذكر قبل مفارقة المصلى، ولم ينتقض وضوؤه، فإنه يرجع فيأتي بالسلام ثم يسجد سجود السهو.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:
" صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ. وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو اليَدَيْنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟
قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ.
فَقَالَ: (أَكَمَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ؟)
فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ" رواه البخاري (482) ومسلم (573).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وفيه جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوا ...
وفيه أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام، وأن السلام ونية الخروج من الصلاة سهوا لا يقطع الصلاة، وأن سجود السهو بعد السلام " انتهى من "فتح الباري" (3 / 102).
وأما إذا طال الفصل بأن فارق المسجد مثلا أو انتقض وضوءه، ففي هذه الحال تبطل الصلاة لتخلف فرض السلام، فتجب إعادتها.
قال ابن جزي رحمه الله تعالى:
" في السلام؛ من نسي السلام فإن طال أو انتقض وضوءه بطلت صلاته خلافا لأبي حنيفة " انتهى من "القوانين الفقهية" (ص 54).
الحالة الثانية:
أن يخل بصفة الكمال، كأن يسقط جملة" ورحمة الله "، أو يسقط التسليمة الثانية.
ففي هذه الحال يشرع أيضا تداركهما والسجود للسهو خروجا من الخلاف؛ لأن فعلهما هو الأحوط.
ولأنه يسنّ سجود السهو لنسيان السنن على قول جمع من أهل العلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه لـ "زاد المستقنع":
"وهذه المسألة التي ذكرها المؤلف رحمه الله أنه إذا ترك سنة قولية أو فعلية في الصلاة؛ لم يشرع له السجود، وإن سجد فلا بأس.
وعندي في ذلك تفصيل، وهو: أن الإنسان إذا ترك شيئا من الأقوال أو الأفعال المستحبة نسيانا، وكان من عادته أن يفعله؛ فإنه يشرع أن يسجد جبرا لهذا النقص الذي هو نقص كمال، لا نقص واجب؛ لعموم قوله في الحديث: ( لكل سهو سجدتان )، وفي "صحيح مسلم": ( إذا نسي أحدكم، فليسجد سجدتين )، فإن هذا عام، أما إذا ترك سنة ليس من عادته أن يفعلها، فهذا لا يسن له السجود، لأنه لم يطرأ على باله أن يفعلها " انتهى من "الشرح الممتع" (3 / 333 – 334).
والله أعلم.
تعليق