الحمد لله.
النية والقصد معتبرة في الشرع
من ترك شيئا لله يظنه حراما، ثم بان أنه حلال، فإنه يثاب على نيته، ومن فعله شيئا يظنه حراما فبان أنه حلال، فإنه يأثم بنيته، فالنيات والقصود معتبرة.
قال ابن القيم رحمه الله: "لو جامع أجنبية يظنها زوجته أو أمَته لم يأثم بذلك ، وقد يُثاب بنيته.
ولو جامع في ظلمةٍ من يظنها أجنبية ، فبانت زوجته أو أمَته : أثم على ذلك ، بقصده ونيته للحرام.
ولو أكل طعامًا حرامًا ، يظنه حلالًا : لم يأثم به .
ولو أكله وهو حلال ، يظنه حرامًا وقد أقدم عليه : أثِم بنيته.
وكذلك لو قتل مَنْ يظنه مسلمًا معصومًا ، فَبَانَ كافرًا حربيًا : أثم بنيته.
ولو رمى صيدًا ، فأصاب معصومًا : لم يأثم.
ولو رمى معصومًا ، فأخطأه وأصاب صيدًا : أثم.
ولهذا كان القاتل والمقتول من المسلمين في النار ؛ لنية كل واحد منهما قتل صاحبه.
فالنية روح العمل ، ولبّه وقوامه، وهو تابع لها ؛ يصح بصحتها ، ويفسد بفسادها.
والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد قال كلمتين ، كَفَتَا وشَفَتَا ، وتحتهما كنوز العلم ، وهما قوله: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
فبيّن في الجملة الأولى : أن العمل لا يقع إلا بالنية، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية.
ثم بيّن في الجملة الثانية : أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه ، وهذا يعمُّ العبادات والمعاملات والأيمَان والنذور وسائر العقود والأفعال". انتهى من "إعلام الموقعين" (4/ 521).
وقال السيوطي رحمه الله: "لو تعاطى فعل شيء مباح له، وهو يعتقد عدم حله، كمن وطئ امرأة يعتقد أنها أجنبية، وأنه زان بها، فإذا هي حليلته، أو قتل من يعتقده معصوما، فبان أنه يستحق دمه، أو أتلف مالا لغيره، فبان ملكه:
قال الشيخ عز الدين: يجري عليه حكم الفاسق لجرأته على الله؛ لأن العدالة إنما شرطت لتحصل الثقة بصدقه، وأداء الأمانة، وقد انخرمت الثقة بذلك، لجرأته بارتكاب ما يعتقده كبيرة.
قال: وأما مفاسد الآخرة فلا يعذب تعذيب زان ولا قاتل، ولا آكل مالا حراما لأن عذاب الآخرة مرتب على ترتب المفاسد في الغالب، كما أن ثوابها مرتب على ترتب المصالح في الغالب.
قال: والظاهر أنه لا يعذب تعذيب من ارتكب صغيرة؛ لأجل جرأته وانتهاك الحرمة؛ بل عذابا متوسطا بين الصغيرة والكبيرة.
وعكس هذا: من وطئ أجنبية وهو يظنها حليلة له: لا يترتب عليه شيء من العقوبات والمؤاخذات المترتبة على الزاني؛ اعتبارا بنيته ومقصده" انتهى من "الأشباه والنظائر" ص10
وكذلك من ترك شيئا لظنه أنه حرام : فإنه يثاب على امتثاله ، وخوفه من الله ، وتركه الحرام لأجله.
والله أعلم.
تعليق