الحمد لله.
أولا:
من الثابت في شرعنا أنه يجب نسبة المولود إلى والده ، ولا يجوز نسبته إلى رجل غير أبيه.
قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الأحزاب/5.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ؛ إِلَّا كَفَرَ رواه البخاري (3508)، ومسلم (61).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" ومعنى ادعى لغير أبيه: أي انتسب إليه ، واتخذه أبا " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (2 / 50).
والحكمة من هذا النهي؛ هي أن الانتساب إلى غير الوالد يؤدي إلى اختلاط عظيم في الأنساب، وانتهاك للحرمات؛ من تحريم ما أحل الله، أو استحلال ما حرم الله من الفروج، واضطراب استحقاق المواريث؛ فيأخذ من لا يستحق، ويمنع من يستحق، إلى آخر ذلك. وليس أقل من الامتناع من الانتساب الحقيق، وهو ظلم، والانتساب إلى النسب الباطل، وهو كذب وغش.
قال أبو حفص الفاكهاني:
" لا إشكال في تحريم الانتفاء من النسب المعلوم إلى نسب غيره، وأنه من الكبائر؛ لما يتعلق بذلك من المفاسد العظام؛ من اختلاط الأنساب، وتحريم المحللات، وتحليل المحرمات من الموطوءات، واختلاف أحكام المواريث، وغير ذلك مما يدوم تحريمه، ويعم ضرره " انتهى من "رياض الأفهام" (5 / 83).
ثانيا:
ما جاء في السؤال من الهيئة الأولى: من كتابة اسم المولود ثم اسم عائلة أمه ثم اسم عائلة أبيه، وإن كانت هذه الهيئة في كتابة الاسم ليست من هدي المسلمين، إلا أن المسلم إذا ألزمته بلاده بهذه الطريقة، فلا تدخل في وعيد الانتساب إلى غير الأب؛ أولا: لأن النظام الذي ألزمه بها ليس باختياره هو ، وليس بإمكانه أن يغيره .
وثانيا: لأن هذه الطريقة في كتابة الاسم : لم تلغ الانتساب إلى الأب ، ولم ينسب الولد إلى غير والده، بل يتعارف الناس جميعا أن هذا المكتوب: هو اسم العائلة، عائلة الأب، ثم عائلة الأم. ومن أراد معرفة اسم الأب، صريحا : فإنه يستفصل عنه، ومن أراد منهم أن يعرف نفسه للناس: فالواجب عليه أن يذكر اسم أبيه، إذا كانت الحاجة داعية إلى معرفة اسم الأب، وليس مجرد اسم العائلة، أو النسبة.
فحقيقة هذه الطريقة لكتابة الاسم، هي أنها مجرد تعريف بالشخص في بطاقة التعريف والوثائق التي يعرّف نفسه بها دوريا في المعاملات اليومية، ومجال التعريف يتساهل فيه، فلذا قد يعرّف بالشخص بنسبته إلى أمه، والأم قد تعرف باسمها، وقد تعرف بلقبها، وقد اشتهر التعريف بجمع من الصالحين بأمهاتهم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" النسبة إلى الأم : هل هو جائز أو لا؟
الجواب: إذا كانت النسبة إلى الأم لا تعني محو نسبته إلى الأب : فلا بأس به، بشرط ألا يغضب من ذلك ، فتكون كالكنية ، ويكون الاسم الأول هو الأصل، فأما إذا تنوسي اسم الأب ومحي فإن هذا لا يجوز؛ لعموم قوله تعالى: ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ )، ولأنه إذا تنوسي فربما يضيع نسب هذا الرجل، ولأنه إذا تنوسي ربما يتهم هذا الرجل بأنه ابن زنا، ليس له أب، وأما إذا جعل ذلك كالكنية مع الاسم الأصلى : فلا حرج " انتهى من "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" (2 / 560).
وهذه الوثائق بهذا الاسم التعريفي لا يستند إليها عادة في الأحوال التي يتطلب فيها التأكد من النسب، حيث يطالبون بشهادة الميلاد للتحقق من تفاصيل النسب، كما هو حال الدول التي لا تتبع صيغة الاسم الثلاثي (اسم الشخص واسم أبيه واسم جده أو عائلته )، حيث يكتفون باسم الشخص وما يسمى بلقب العائلة بدون ذكر لاسم الأب، ويجعلونه تعريفا للشخص في بطاقة التعريف التي يظهرها في معاملاته اليومية، لكن في الأحوال التي تتطلب معرفة النسب واسم الأب يطالبون بإظهار شهادة الميلاد ، وما فيها من تفاصيل عن حال الوالدين.
وعلى كل حال؛ فمتى كان هذا النظام ملزما لصاحبه، لم يختره هو ، كما ذكرنا من قبل ، فهو أسهل للمسلم، وأبعد له عن الإثم والوعيد؛ وقد قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن /16.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة.
فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ).
ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر " انتهى من"تفسير السعدي" (ص 868).
وأما الطريقة الثانية المذكورة في السؤال، بذكر اسم والد الأم بعد اسم الشخص ثم اسم الأب، فلا يظهر لنا أنها تحقق المقصد الشرعي من تسجيل النسبة الصحيحة على وجهها .
وإذا أمكن للمسلم أن يكتب اسمه واسم والده، كما هي العادة المعروفة للمسلمين، من غير ضرر عليه : فهو أحسن، والحيلة في مثل ذلك غير ممنوعة، لأنها حيلة للتوصل لمقصد شرعي معتبر.
والله أعلم.
تعليق