الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

أخذت من مال والدها بالحيلة ما زاد عن حاجتها واشترت ملابس فهل يصح أن تصلي فيها ؟

343651

تاريخ النشر : 02-03-2021

المشاهدات : 9438

السؤال

عندما كنت مراهقة، ولم أكن أمارس الإسلام، كنت أسأل والدي عن مال أكثر ممّا أحتاجه، على سبيل المثال كنت أقول له إنّني بحاجة إلى 500 بدلاً من 300 لشيء ما في المدرسة، لقد حدث ذلك عدّة مرات، وأنا ندمت على ذلك، الآن أريد أن أتوب إلى الله تعالى، فهل يجب أن أُخبر والدي أيضًا؟ لقد طلبت منه الصفح في رمضان الماضي لكن هل يُحسب ذلك إذا لم يكن يعرف بالضبط لماذا كنت أطلب الصفح منه، أم يجب أن أخبره بما فعلت، وقد يسبب هذا ضررًا أكثر من النفع؟ ولا يمكنني أن أعيد له المال؛ لأنني لا أعمل، وإذا استخدمت ذلك المال لشراء ملابس فهل بإمكاني أن أرتديها للصلاة؟

الحمد لله.

أولا:

حكم أخذ مال الأب دون علمه

لا يجوز أخذ مال من الأب أو غيره دون علمه؛ لما في ذلك من العدوان وأكل المال بالباطل، وقد قال تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ  النساء/29.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم:  إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ  رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).

وقوله صلى الله عليه وسلم:  لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ  رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).

ويستثنى من ذلك أخذ الولد ما يحتاجه لنفقته من مال أبيه، إذا كان بخيلا.

والظاهر من سؤالك أن ما أخذت كان زيادة على ما تحتاجين من ملابس ونحوها، وأن أباك لم يبخل عليك بل كان يعطيك ما تطلبين.

فإن كان لا يعطيك ما تشتري به الملابس ونحوها التي تليق بك، فأخذت من ماله لشراء ما تحتاجينه بالمعروف- أي دون إسراف وتجاوز- فلا شيء عليك حينئذ.

ثانيا:

التحلل من مال والدك والتوبة إلى الله

إذا كنت قد أخذت ما لا تستحقينه، فليلزمك التوبة إلى الله تعالى، بالندم على ما فعلت، والعزم على عدم العود إلى مثل ذلك، ثم التحلل من والدك أو رد المال إليه ولو دون علمه.

ويكفيك في التحلل أن تطلبي المسامحة فيما لو كنت أخذت مالا زائدا عن حاجتك، فإن شق عليك ذلك أو خشيت مفسدته، فيلزمك رد المال إليه، فإن لم يكن معك مال، بقي في ذمتك إلى أن تجدي.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "… فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب مثلاً إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن يوصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه.

وإذا فعل ذلك فإن الله يقول وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً الطلاق / 2، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً الطلاق / 4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162).

ثالثا:

هل يجوز الصلاة في الملابس المغصوبة؟

إذا اشتريت بالمال المحرم ملابس، فإن هذه الملابس في حكم المغصوبة، فلا تصح الصلاة فيها في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، إلا أن تتحللي من والدك أو تردي إليه ماله، فيحل لك الانتفاع بالملابس حينئذ.

والفقهاء يسوون بين المغصوب والمسروق، وما ثمنه المعيّن حرام، أي اشتري بعين المال الحرام.

قال في "شرح المنتهى الإرادات" (1/ 152): "(ومن صلى في غصب) أي مغصوب عينا أو منفعة، ومثله مسروق ونحوه، وما ثمنه المعين حرام... (عالما) بأن ما صلى فيه أو حج به محرم (ذاكرا) له وقت العبادة (لم يصح) ما فعله، لحديث عائشة مرفوعا من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. أخرجوه.

ولأحمد من صنع أمرا على غير أمرنا فهو مردود ولأن الصلاة والحج قربة وطاعة، وقيامه وقعوده وسيره بمحرم منهي عنه، فلا يكون متقربا بما هو عاص به، ولا مأمورا بما هو منهي عنه، فإن كان جاهلا أو ناسيا للغصب ونحوه صح. ذكره المجد إجماعا" انتهى.

والفرق بين ما كان ثمنه المعين حراما، وبين ما كان ثمنه حراما لكنه لم يعيّن:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ومثال المحرم لكون ثمنه المعين حراما: لو اشترى بدراهم سرقها ثوبا، ففيه تفصيل: إن وقع العقد على عين الدراهم لم تصح الصلاة فيه، وإن وقع العقد على غير عين الدراهم، أي: في ذمة المشتري، فالصلاة فيه صحيحة. وهذا من دقة الفقهاء رحمهم الله، فإذا جئت لصاحب الثوب وقلت: بع علي هذا الثوب بهذه الدراهم ـ يعني المسروقة ـ فباعه، فإنه لا تصح الصلاة فيه؛ لأن العقد فاسد؛ لوقوعه على عين النقود المحرمة المسروقة، لكن لو قلت: بع علي هذا الثوب بعشرة، وباعه عليك، وأوفيت الثمن من دراهم مسروقة، فالعقد صحيح مع أن ثمنه محرم؛ لكنها لم تعين الدراهم في العقد، لأن الثمن ثبت في الذمة، وأوفاه المشتري من الدراهم المسروقة." انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 173).

وهذه الصورة – يعني: شراء ملابس أو غيرها، ويقع الاتفاق على دفع نقود معينة مع المشتري – لا تكاد تقع.

وعلى ذلك؛ فالظاهر أنه، حتى على مذهب الحنابلة: تصح الصلاة في هذه الملابس، لأنك اشتريتيها في ذمتك، ثم دفعت ثمنها من المال المحرم.

وأما الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، فيرون صحة الصلاة في الثوب المغصوب مع الإثم، وقولهم هو الأقرب.

وينظر: "الشرح الممتع" (5/ 57) لابن عثيمين.

وعلى ذلك؛ فما دمت قد تبت، وتحللت من والدك، فلا حرج عليك في الصلاة في الملابس التي اشتريتيها من هذا المال، ومتى تحصل لك مال، فردي ما أخذتيه من مال أبيك، ولو من غير علمه، تضعينه في ماله، أو فيما يحتاج هو إليه، من غير أن يشعر بذلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب