الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

من حضر مجلس غيبة، هل عليه أن يطلب عفو المغتاب؟

345965

تاريخ النشر : 08-06-2022

المشاهدات : 10769

السؤال

من جلس مع المغتاب ولم ينكر عليه كانا في الوزر سواء، فهل هما في وجوب استحلال من اغتيب سواء أيضا؟

الحمد لله.

أولاً:

نهى الشرع عن الجلوس في أماكن المنكر

لا شك أن الجلوس في أماكن المنكر كمجالس الغيبة مع عدم إنكار هذا المحرم، هو عمل منهي عنه، وبيّن الله تعالى أن الجالس في هذه الحال كمثل المباشر للمحرم.

قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا النساء/140.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتُقتحم حدوده التي حدها لعباده ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم ( حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها.

( إِنَّكُمْ إِذًا ) أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة ( مِثْلُهُمْ ) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها.

والحاصل: أن من حضر مجلسا يُعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها " انتهى من"تفسير السعدي"(ص 210).

فالواجب على الجالس أن لا يستمر معهم في المجلس، إلا إذا كان متقيا لهذا المنكر، وذلك بالنصح والإنكار.

ثانيا:

أحوال من يحضر مجالس الغيبة ولا ينكر

الحاضر في مجالس الغيبة والذي لا ينكر على أصحابها، هو على أحد حالين:

الحالة الأولى:

أن يكون هذا الجالس يصدر عنه ما يدل على المشاركة أو الرضى بقول أو إشارة أو حال، فهذا لا شك أنه مشارك في الغيبة، وإن لم يكن هو المبادر إليها.

وهذا عليه أن يستحل المظلوم لأنه شارك في ظلمه بوجه من الوجوه.

وإلى ذلك يشير ما رواه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (188) والضياء في "المختارة" (5 / 71)، قَالَ أَبُو بَدْرٍ عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْغُبَرِيِّ: حدثنا حَبَّانُ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانَتِ الْعَرَبُ يَخْدُمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْأَسْفَارِ، وَكَانَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَجُلٌ يَخْدُمُهُمَا، فَنَامَ، وَاسْتَيْقَظَا وَلَمْ يُهَيِّئْ طَعَامًا، فَقَالَا - وفي رواية: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ -: إِنَّ هَذَا لَنَئُومٌ بَيْنَكُمْ - وفي رواية: ليوائم نوم بيتكم -. فَأَيْقَظَاهُ، فَقَالَا: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يُقْرِآنِكَ السَّلَامَ، وَهُمَا يَسْتَأْدِمَانِكَ. فَأَتَاهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْهُمَا أَنَّهُمَا قَدِ ائْتَدَمَا ، فَفَزِعَا، فَجَاءَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثْنَا نَسْتَأْدِمُكَ، فَقُلْتَ: ائْتَدَمَا، فَبِأَيِّ شَيْءٍ ائْتَدَمْنَا؟ فَقَالَ: بِأَكْلِكُمَا لَحْمَ أَخِيكُمَا، إِنِّي لَأَرَى لَحْمَهُ بَيْنَ ثَنَايَاكُمْ  فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاسْتَغْفِرْ لَنَا. قَالَ:  هُوَ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمَا .

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي بدر الغبري، قال أبو حاتم وتبعه الحافظ: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وروى عنه جمع من الحفاظ الثقات، وقد توبع، فقال الضياء عقبه: وقد رواه عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن العرب كانت تخدم بعضهم بعضا في الأسفار. فذكره.

قيل: (المواءمة) : الموافقة، ومعناه: أن هذا النوم يشبه نوم البيت لا نوم السفر، عابوه بكثرة النوم " انتهى من "السلسلة الصحيحة" (6 /211–212).

ونحو هذا ما ورد في قصة الصحابي الذي أقيم عليه حد الرجم.

عن أَبي الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الصَّامِتِ، ابْنَ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: "جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا...

فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ:  أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟  فَقَالَا: نَحْنُ ذَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:  انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ ، فَقَالَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ:  فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْقَمِسُ فِيهَا  رواه أبو داود (4428).

لكن في إسناده عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الصَّامِت، وهو مجهول.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن ابن الصامت وهو مجهول، وإن ذكره ابن حبان فى " الثقات ". " انتهى من"الإرواء"(8/24).

الحالة الثانية:

أن يكون الجالس منكرا للغيبة بقلبه، غير راض بها ولا مستمتع بسماعها، بل يود لو أنهم سكتوا، لكن لا يجهر بالإنكار لخجل مذموم، أو غير ذلك.

فهذا غير مشارك فيها، وإن كان قد وقع في منهي عنه، بجلوسه معهم وعدم مفارقتهم.

قال الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ  الأنعام/67-68.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال:

( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى" انتهى من"تفسير السعدي" (ص 260).

ففي هذه الحال: الجالس وقع في معصية السكوت على المنكر وعدم نصرة المظلوم، والواجب عليه التوبة من هذا، وأما طلب عفو المغتاب فليس عنده ما يقوله: إلا " أنني قد جلست مع جماعة يغتابونك " وهذا الإخبار سيفسد ولا يصلح ، فلا ينبغي فعله ؛ لأنه سيجر إلى مفسدة النميمة .

فعليه أن يتوب من هذا الجلوس وينصح الظالمين بالتوبة والاعتذار إلى المظلوم، وأن يستغفر له.

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (99554) ففيه بيان متى يجب على من وقع في الغيبة أن يعتذر ممن اغتابه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة