الحمد لله.
الحكم على صحة الحديث
الحديث أخرجه أحمد في "مسنده" (17118)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/297)، وأبو يعلى في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (2454)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (22/437)، جميعا من طريق إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ دَاوُدَ الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ : " أَنَّهُ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ دِمَشْقَ وَهَجَّرَ بِالرَّوَاحِ ، فَلَقِيَ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَالصُّنَابِحِيُّ مَعَهُ ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدَانِ يَرْحَمُكُمَا اللهُ؟ قَالَا: نُرِيدُ هَاهُنَا إِلَى أَخٍ لَنَا مَرِيضٍ نَعُودُهُ . فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ ، فَقَالَا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ . فَقَالَ لَهُ شَدَّادٌ: أَبْشِرْ بِكَفَّارَاتِ السَّيِّئَاتِ وَحَطِّ الْخَطَايَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنِّي إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنًا ، فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الْخَطَايَا ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي ، وَابْتَلَيْتُهُ ، فَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ .
والحديث إسناده حسن ، صحيح لغيره .
والإسناد ليس فيه إشكال سوى راويين :
الأول : إسماعيل بن عياش .
وثقه ابن معين كما في "تاريخ الدوري" (5032) ، وضعفه النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (34) .
والراجح أنه مستقيم الحديث إذا حدث عن أهل الشام ، وإن حدث عن غيرهم أخطأ .
قال علي بن المديني كما في "سؤالات ابن أبي شيبة" (233) :" كَانَ يوثق فِيمَا روى عَن أَصْحَابه أهل الشَّام ، فَأَما مَا روى عَن غير أهل الشَّام فَفِيهِ ضعف ". اهـ
وقال الإمام أحمد كما في "الكامل" (1/472) لابن عدي :" ما روى عن الشاميين صحيح ، وما روى عن أهل الحجاز فليس بصحيح " انتهى.
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (1/369) :" ما روى عَنِ الشاميين فهو أصح " انتهى.
وقال ابن عدي في "الكامل" (1/488) :" حديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة فهو مستقيم الحديث ، وفي الجملة إسماعيل بن عياش ممن يكتب حديثه ويحتج به في حديث الشاميين خاصة " انتهى.
والراوي عنه هنا من أهل الشام .
قال ابن معين كما في "سؤالات الجنيد" (629) :" صنعاء قرية من قرى الشام ، منها راشد ابن داود ، وأبو الأشعث الصنعاني ، وحنش ، ليس صنعاء اليمن " انتهى.
وقد اتُّهم إسماعيل بن عياش بالتدليس، كما في "طبقات التدليس" لابن حجر (68) .
لكنه هنا صرح بالتحديث في رواية ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (22/437)، (26/177) ، (73/155) .
الثاني : راشد بن داود الصنعاني .
وأما " راشد بن داود الصنعاني "، فقد وثقه ابن معين كما في "سؤالات الجنيد"(627)، وضعفه الدارقطني كما في "سؤالات البرقاني"(157) .
ولعل الأقرب أنه حسن الحديث ما لم ينفرد أو يخالف ، ولذا قال فيه ابن حجر في "التقريب" (1853) :" صدوق له أوهام " انتهى.
والحديث صححه ابن كثير في "جامع المسانيد والسنن" (4/205)، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4/144):" وهذا إسناد حسن ، رجاله ثقات، وفي راشد بن داود الصنعاني كلام يسير لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن ، وقد أشار الحافظ إلى ذلك بقوله فيه: " صدوق له أوهام " انتهى.
والحديث له شواهد عدة يرتقي بها إلى درجة الصحيح لغيره .
ويشهد للشق الأول من الحديث ما يلي :
ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (5640)، ومسلم في "صحيحه" (2572)، من حديث عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا .
وما أخرجه البخاري في "صحيحه" (5641) ، ومسلم في "صحيحه" (2573) ، من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ .
وما أخرجه مسلم في "صحيحه" (2571) ، من حديث ابن مسعود ، قَالَ:" دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا .
ويشهد للشق الثاني من الحديث ما يلي :
ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (2996) ، من حديث أبي موسى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا .
وما أخرجه أحمد في "مسنده" (6482) ، من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَابُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ، مَا كَانَ فِي وِثَاقِي .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1232) .
فمما سبق يتبين أن الحديث حسن ، وبشواهده صحيح لغيره .
والله أعلم .
تعليق