الحمد لله.
أولا:
الائتمام بالمسبوق
يصح الائتمام بالمسبوق إذا قام ليتم صلاته، على الراجح؛ لأنه لا يشترط نية الإمامة من أول الصلاة، ولقيام الدليل على جواز انتقال المصلي من كونه منفردا إلى كونه إماما، ومن كونه إماما إلى كونه مأموما، والعكس.
وينظر: "الشرح الممتع" (2/ 307 - 318).
والمسبوق إذا قام يتم صلاته أصبح منفردا، وينوي الإمامة إذا اقتدى به غيره.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هل يشترط في الإمامة نية الإمامة في الصلاة؟ وإذا دخل رجل فوجد رجلاً يصلى فهل يأتم به؟ وهل يشرع الائتمام بالمسبوق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ثلاث مسائل تضمنتها هذه الفقرة:
المسألة الأولى : هل يشترط للإمام أن ينوي الإمامة ؟
وجواب ذلك : أن المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه لا بد للإمام أن ينوي الإمامة ، فلو صلى شخصٌ مع شخصٍ آخر، ونوى أنه إمامٌ له، ولكن الإمام لم ينوِ الإمامة فإن صلاة المأموم لا تصح في هذه الحال ، لأنه يشترط للجماعة أن ينوي الإمام الإمامة والمأموم الإئتمام.
وقال بعض أهل العلم : إنه يصح أن يأتم بشخصٍ وإن لم ينوِ الإمامة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يومٍ في رمضان وحده واحتجر عليه حجرة، فصلى وراءه الناس ولم ينههم عليه الصلاة والسلام .
لكن هذا لا يدل على أن الرسول لم ينوِ الإمامة لأنه ربما نوى الإمامة حين أحس بهم، والاحتياط ألا يصلي خلف شخص إلا وقد عرف أنه نوى الإمامة ، فإذا دخلت المسجد ورأيت شخصاً يصلي وحده، فقف إلى جنبه وقل : أنت إمامي ، وإذا لم تقل ذلك وكبرت فإنه هو ينبغي له أن ينوي أن يكون إماماً لك لتحصل الجماعة.
الفقرة الثانية من هذا السؤال : وهي أنه إذا دخل المسجد ووجد إنساناً يصلى فهل يدخل معه ؟ والجواب : أنه يدخل معه، وتصح الصلاة جماعة على القول الراجح ، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام ذات ليلةٍ يصلى وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما نائماً عنده، فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى وحده، فقام ابن عباس رضي الله عنهما فصلى إلى جانبه ، لكنه صلى عن يساره ، فأخذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه .
وهذا يدل على جواز نية الإمامة في أثناء الصلاة، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل.
أما الفقرة الثالثة في السؤال فهو : هل يأتم بشخصٍ يقضي ما فاته من الصلاة ؟
والجواب على هذا أن نقول : لا بأس أن يأتم بشخصٍ يقضي ما فاته من الصلاة ، كما لو دخلت ووجدت الإمام قد سلم ووجدت رجلاً يقضي ما فاته مع إمامه ، فدخلت معه على أن يكون إماماً لك ؛ فإن هذا لا بأس به ، لكن الأولى تركه ، لأن الظاهر أن الصحابة لم يكونوا يفعلون هذا إذا فاتهم شيء من الصلاة" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/ 2).
ثانيا:
هل يصح أن يكون مأموماً وإماماً في وقت واحد؟
لا يصح أن يكون الإنسان مأموما إماما في وقت واحد، وحكاه ابن حجر الهيتمي إجماعا.
قال في "تحفة المحتاج" (2/ 282): " (ولا تصح قدوةٌ بمقتدٍ) بغيره إجماعا ... وإن بان إماما؛ وذلك لاستحالة اجتماع كونه تابعا متبوعا" انتهى.
وعليه فمن ائتم بك حال ائتمامك بالمسبوق، أي كبر للإحرام مقتديا بك وأنت مأموم، لم تصح صلاته؛ لأنه لا يصح أن تكون مأموما إماما، حتى لو بان بعد ذلك أن هذا المسبوق لم ينو الإمامة.
وإن غيرت نيتك، ونويت الانفراد، فمن اقتدى بك حينئذ، ونويت أن تكون إماما له، فصلاته صحيحة.
وكذا كل من نوى الاقتداء بك بعد سلام المسبوق -حتى لو كان إماما لك- فصلاته صحيحة، لأنه اقتدى بك في حال لم تكن فيها مأموما لأحد.
والظاهر من سؤالك : أن من اقتدى بك أثناء ركوعك لا تصح صلاته؛ لأنه ائتم بك قبل أن تغير نيتك.
والله أعلم.
تعليق