الحمد لله.
أولا:
النكاح قد يكون واجبا، وقد يكون مستحبا، وقد يكون مباحا، وذلك بحسب حال الشخص.
ومن لا شهوة له للنكاح، فاختلف فيه: هل النكاح في حقه مستحب، أم لا؟
قال ابن قدامة رحمه الله: "والناس في النكاح على ثلاثة أضرب؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقُه النكاح.
الثاني: من يستحب له، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور، فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل العبادة. وهو قول أصحاب الرأي. وهو ظاهر قول الصحابة - رضي الله عنهم -، وفعلهم...
القسم الثالث، من لا شهوة له، إما لأنه لم يخلق له شهوة كالعنين، أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مرض ونحوه، ففيه وجهان؛ أحدهما، يستحب له النكاح؛ لعموم ما ذكرنا. والثاني، التخلي له أفضل؛ لأنه لا يحصل مصالح النكاح، ويمنع زوجته من التحصين بغيره، ويضر بها، ويحبسها على نفسه، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها، ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه، والأخبار تُحمل على من له شهوة؛ لما فيها من القرائن الدالة عليها" انتهى من "المغني" (7/ 4- 6).
وقال في "كشاف القناع "(5/7): " (ويباح) النكاح (لمن لا شهوة له) كالعِنِّين والمريض والكبير؛ لأن العلة التي لها يجب النكاح أو يستحب - وهو خوف الزنا أو وجود الشهوة - مفقودة فيه، ولأن المقصود من النكاح الولد، وهو فيمن لا شهوة له غير موجود؛ فلا ينصرف إليه الخطاب به، إلا أنه يكون مباحا في حقه كسائر المباحات، لعدم منع الشرع منه. وتخلّيه إذن لنوافل العبادة أفضل؛ لمنع من يتزوجها من التحصين بغيره، ويضرها بحبسها على نفسه، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يقوم بها، ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه" انتهى.
فعلى ذلك؛ إذا لم يكن لك رغبة في النكاح، ولا تخافين على نفسك الفتنة، فالنكاح ليس واجبا عليك، ولا يجوز لأهلك أن يجبروك عليه، ولا يحل لهم استعمال الضرب والأذية في مثل ذلك .
وقد روى البخاري (5136)، ومسلم (1419) عن أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ .
وهذا يشمل عدم إجبار المرأة على نكاح من لا تريد، ويشمل عدم إجبارها على أصل النكاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح، فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته، ومعاشرة من تكره معاشرته؟! والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له، ونفورها عنه. فأي مودة ورحمة في ذلك؟ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/25).
ثانيا:
أمام إصرار أهلك على الزواج، فإننا ندعوك للتفكير في أمر الزواج، والتأمل في منافعه من حصول السكن للزوج، وإنجاب الذرية، مع قضاء الوطر، وتلك حاجة فطرية موجودة في عامة الناس إلا ما ندر، وربما يطغى على الإنسان شعور معين يتوهم معه عدم القدرة على الحياة الزوجية، أو عدم حاجته للنكاح، أو عدم ميله للجنس الآخر، ويكون شعورا كاذبا، يدرك ذلك إذا تزوج بالفعل، واقترب من الجنس الآخر.
فتفكري في الأمر، وراعي بر والديك، واستشيري طبيبة نفسية موثوقة، واستخيري الله تعالى في قبول من يخطبك، وسلي الله تعالى دائما أن ييسر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.
والله أعلم.
تعليق