الحمد لله.
أولا:
لا حرج في دخول الكافر المسجد إذا لم يلوثه بحذاء ونحوه، إذا كان دخوله لمصلحة شرعية أو لحاجة تدعو إلى ذلك، ولا حرج في وجوده أثناء صلاة المسلمين، يشاهدهم ويتأمل صلاتهم، ولعل ذلك يكون سببا في إسلامه.
وينظر: جواب سؤال: (دخول غير المسلم المسجد).
ثانيا:
لا يجوز تمكين أحد من الصلاة في المسجد إذا كان يصلي بغير وضوء، فهو ذا منكر يجب إنكاره، سواء فعل ذلك مسلم أو كافر، والكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الراجح، فيحرم عليهم أن يصلوا بغير وضوء كما يحرم ذلك على المسلمين.
قال ولي الدين العراقي: "والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين " انتهى من " طرح التثريب " (3/ 227).
فإن توضأ وصلى، لم يُتعرض له؛ لأنه قد يكون مسلما في الباطن، لكن إن صرح أنه مقيم على كفره، فهل يمنع أو يترك؟
لم نقف على كلام للفقهاء في ذلك، لكنهم يذكرون مسألتين:
الأولى: هل يكون بالصلاة مسلما حكما أم لا؟ ويأتي ما يترتب على هذا الخلاف.
والثانية: أنه لو صلى إماما بالناس، فإنه يعزر؛ لأنه أفسد عليهم صلاتهم، ولما فيه من الاستهزاء.
قال الشافعي رحمه الله في الأم (1/ 195): " ولو أن رجلا كافرا أم قوما مسلمين ولم يعلموا كفره، أو يعلموا : لم تجزهم صلاتهم ، ولم تكن صلاته إسلاما له إذا لم يكن تكلم بالإسلام قبل الصلاة، ويعزر الكافر، وقد أساء من صلى وراءه وهو يعلم أنه كافر " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (4/ 252): " وإذا صلى الكافر بالمسلمين عزر لإفساده صلاتهم وتداعيه واستهزائه " انتهى.
والظاهر أنه إذا صرح بكفره، فإنه يمنع من الصلاة، لأمور:
1-ما في ذلك من المنكر والاستخفاف، فإن الصلاة أعظم شعائر الإسلام، وشرط صحتها الإسلام.
2-أنه قد يأتي مسبوق لا يعلم حاله فيأتم به، وقد يغتر به إنسان فيعامله على أنه مسلم.
3-أنه على القول بأنه يحكم بإسلامه ظاهرا إذا صلى- وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد- : أنه إن عاد فصرح بالكفر بعدها كان مرتدا، والمرتد عقوبته القتل.
وما دمنا نعلم كفره فلا يجوز أن نمكنه مما يوجب ردته، مع الاضطرار بعدها إلى تركه على الردة، وعدم القدرة على إنزال العقوبة به.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: فإن صلَّى فمسلمٌ حُكْماً، أي: إذا صلَّى الكافر فإننا نحكم بإسلامه، ولكنَّه مسلم حُكْماً لا حقيقة؛ حتى وإن لم يَنْوِ الإسلامَ بما فعله.
وفائدتُه: أنَّنا إذا حكمنا بإسلامه ، طالبناه بلوازم الإسلام؛ فيَرثُ أقاربَه المسلمين ، ويرثونَه.
وإن قال: فعلتُه استهزاءً : فنعتبره مرتدًّا.
والفرق بين كونه مرتدًّا ، وبين كفره الأصليِّ: أنَّ كُفْرَ الرِّدَّة لا يُقَرُّ عليه، بخلاف الكفر الأصليِّ فيُقَرُّ عليه، فالكافر بالرِّدَّة يُطَالَبُ بالإسلام؛ فإن أسلم وإلاَّ قتلناه" انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 19).
والذي يظهر أن هذا الرجل يدعى إلى الإسلام، وتجتهدون في ذلك، وتزيلون ما لديه من شبهات، إن كان عنده شبهات تمنعه من الإسلام .
فإن بُيِّن له، وأصر على ما هو عليه، فإنه يمنع من دخول المسجد حينئذ، لأنه لا فائدة مرجوه من دخوله، بعدما تردد على المساجد عدة سنوات، وما زال مصرا على كفره !!
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (27101).
والله أعلم.
تعليق