الحمد لله.
أولا:
حكم لعن بني هاشم
لعنُ بني هاشم منكر عظيم، وقد اختُلف فيه على ثلاثة أقوال:
1-أنه يكفر بمجرد ذلك، وصرح به جماعة من الحنفية.
2-أنه يكفر إن لم توجد قرينة على أنه يريد الظلمة منهم، وأنه يخرج النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم من كلامه، فإن وجدت قرينة لم يكفر.
3-أنه لا يكفر لو قال: أردت الظالمين منهم، حتى ولو لم توجد قرينة في كلامه، وأنه يعزر تعزيرا شديدا، وإليه ذهب المالكية.
قال القاضي عياض رحمه الله: " وقد يُضَيّق القول في نحو هذا، لو قال لرجل هاشمى: لعن الله بنى هاشم، وقال: أردت الظالمين منهم، أو قال لرجل من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قولا قبيحا في آبائه، أو من نسله أو ولده، على علم منه أنه من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه، وإخراج النبي صلى الله عليه وسلم ممن سبه منهم.
وقد رأيت لأبي موسى بن مناس فيمن قال لرجل: لعنك الله إلى آدم عليه السلام: أنه إن ثبت عليه ذلك، قتل" انتهى من "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/ 237).
وجاء في "حاشية الدسوقي" (4/ 312) : " ( أو ) ( لعن العرب أو بني هاشم ، وقال ) في المسألتين ( أردت الظالمين ) منهم ؛ فيؤدب بالاجتهاد.
فإن لم يقل: أردت إلخ : قتل" انتهى.
قال في "الدر المختار" (4/ 235): "وظاهر (الشفاء): أن قوله لهاشمي: لعن الله بني هاشم كذلك".
قال ابن عابدين في حاشيته: "(قوله كذلك) أي يكون شاتما للنبي" انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي: " وظاهر كلامه: أن من قال لهاشمي: لعن الله بني هاشم، وقال: أردت الظالمين منهم، أو قال لمن يعلم أنه من ذريته صلى الله عليه وسلم قولا قبيحا في آبائه، أو مِنْ نَسْله أو ولده: لا يُقبل تخصيصه بإرادة غير النبي صلى الله عليه سلم من غير قرينة، وهو محتمل لعموم لفظه.
لكن الأقرب إلى قواعدنا قبوله مطلقا؛ لأن اللفظ بوضعه لا ينافي تلك الإرادة، لكن يبالَغ في تعزيره" انتهى من "الإعلام بقواطع الإسلام" ص187.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (213236).
ثانيا:
لعن المسلم من كبائر الذنوب
اللعن ليس من أخلاق المسلمين، ولو كان لشخص، فكيف إذا كان لقبيلة.
وروى مسلم (2599) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ".
وروى مسلم أيضا (2597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا .
وروى مسلم (2598) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وفي سنن ابن ماجة (3761) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً لَرَجُلٌ هَاجَى رَجُلاً ، فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا ، وَرَجُلٌ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ وَزَنَّى أُمَّهُ وصححه الألباني .
وهذا فيمن (هجا) ؛ فكيف بمن لعنها ؟! فكيف إذا كانت القبيلة : خير قبائل الناس، وأشرفهم نسبا ، وأطهرهم أصلا ، وفصلا ؟!!
روى مسلم في صحيحه (2276) عن وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، رض الله عنه ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ .
وأما قوله: السلالة الملعونة، فهذا لا يخرج إلا من مُجرم لا يعرف قدر آل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف حقهم والوصية بهم. ومثل هذا ينبغي أن يعزر تعزيرا بليغا ، إن لم نقل إنه يكفر بمجرد هذا القول .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (289868)، ورقم : (121948).
والله أعلم.
تعليق