الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

كيف كانت أحكام نكاح المتعة قبل تحريمه؟

352846

تاريخ النشر : 06-04-2024

المشاهدات : 3233

السؤال

أعلم أن زواج المتعة حرام، ومنسوخ، لكن هل نقل أحد كيفيته قبل تحريمه؟ هل كان بدون شهود ولا ولي، يعني مثل الزواج العرفي علي ورق حاليا أم ماذا؟ وإذا كان كذلك، فما الفرق بينه وبين البغاء؟ سامحوني علي صيغة السؤال، لكن هناك شاب نصراني وضع صورة لصفحة من كتاب منسوب لشيخ مجهول، يقول: إن زواج المتعة هو زنا، لكن النبي كان يجيزه لأصحابه حتي يتحملوا، ولا يرتدوا؛ لأنهم تعودوا عليه، أنا أعلم أنه كلام باطل، لكن أريد الرد عليهم.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

سبق بيان صورة المتعة وأنها محرمة وهذا في جواب السؤال رقم: (20738).

ثانيا:

ما ذكره هذا الشخص هو بهتان عظيم وكذب صريح، فلم يحلل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم ما حرمه الله تعالى.

فلا يأذن صلى الله عليه وسلم إلا فيما يأذن به الله تعالى؛ لأن ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم هو وحي من الله تعالى، قال الله تعالى:

( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3 - 4.

فأباح الله تعالى المتعة لحكمة التيسير عليهم، كما هي طريقة الشرع في التدرج بالصحابة في مراتب الدين حتى اكتمل.

وما يأذن به الله تعالى لا يحكم عليه بأنه فاحشة؛ لأن حكمة جوازه تزيل عنه صفة الزنا.

قال الله تعالى:

(قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/28.

ثم حرّمت المتعة، فأصبحت بعد التحريم من السفاح، وقد صرح بعض السلف بأنه صار من الزنا بعد تحريمه.

قال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:

" فإن قيل: لا يجوز أن تكون المتعة زنا، لأنه لم يختلف أهل النقل أن المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات، أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولم يبح الله تعالى الزنا قط؟!

قيل له: لم تكن زنا في وقت الإباحة، فلما حرمها الله تعالى جاز إطلاق اسم الزنا عليها...

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( العينان تزنيان ، والرجلان تزنيان؛ فزنا العين النظر، وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك كله الفرج أو كذبه ).

فأطلق اسم الزنا في هذه الوجوه، على وجه المجاز، إذ كان محرما؛ فكذلك من أطلق اسم الزنا على المتعة، فإنما أطلقه على وجه المجاز وتأكيد التحريم " انتهى من "أحكام القران" (3 /96).

ثالثا:

نكاح المتعة كان نوعا من التيسير، ولذا كانت إباحته في الأسفار في الغزو، ولم يكن في الديار.

قال أبو بكر الحازمي رحمه الله تعالى:

" ... عن قيس بن أبي حازم، قال، سمعت ابن مسعود يقول: ( كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَخْتَصِيَ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ إِلَى أَجَلٍ بِالشَّيْءِ ).

هذا طريق حسن صحيح، وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم للسبب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم " انتهى. "الناسخ والمنسوخ" (ص 176).

فناسب هذا التيسير أن لا يشترط فيه كل ما يشترط في النكاح، كما يشير إلى هذا حديث سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ:

" أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّمَتُّعِ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتَّى وَجَدْنَا جَارِيَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَخَطَبْنَاهَا إِلَى نَفْسِهَا وَعَرَضْنَا عَلَيْهَا بُرْدَيْنَا، فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ فَتَرَانِي أَجْمَلَ مِنْ صَاحِبِي، وَتَرَى بُرْدَ صَاحِبِي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدِي، فَآمَرَتْ نَفْسَهَا سَاعَةً، ثُمَّ اخْتَارَتْنِي عَلَى صَاحِبِي، فَكُنَّ مَعَنَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِرَاقِهِنَّ " رواه مسلم (1406).

فهذا يشير إلى أنه نكاح بلا شهود ولا ولي.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وأجمعوا أن المتعة نكاح لا إشهاد فيه ولا ولي، وأنه نكاح إلى أجل، تقع فيه الفرقة بلا طلاق، ولا ميراث بينهما؛ وهذا ليس حكم الزوجات في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى من "التمهيد" (10 / 116).

وهو مع عدم مشابهته للنكاح المشروع في الصفة؛ إلا أنه كان يناسب النكاح، ويفارق السفاح في لواحقه، صيانة للنسب، فيثبت به النسب والمصاهرة والاستبراء، فلا تختلط فيه الأنساب كحال الزنا الصريح.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (14 / 341):

" اتفق الفقهاء أيضا على أنه إن جاءت المرأة بولد في نكاح المتعة: لحق نسبه بالواطئ سواء اعتقده نكاحا صحيحا أو لم يعتقده، لأن له شبهة العقد، والمرأة تصير به فراشا...

واتفقوا كذلك على أنه يحصل بالدخول في نكاح المتعة حرمة المصاهرة بين كل من الرجل والمرأة وبين أصولهما وفروعهما " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب