الحمد لله.
أولا:
حكم تغيير نية الوقف
إذا وقف الإنسان شيئا أصبح لازما وانقطع تصرفه فيه بما ينافي الوقف، ولم يمكنه الرجوع فيه، ولا تغيير شرطه ومصرفه إلا إن غيره للأفضل.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (44 / 119): " ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ مَتَى صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ مُسْتَكْمِلاً شَرَائِطَهُ أَصْبَحَ لاَزِمًا ، وَانْقَطَعَ حَقُّ الْوَاقِفِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِأَيِّ تَصَرُّفٍ يُخِل بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْوَقْفِ ، فَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ ، وَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ) رواه البخاري (2764) ومسلم (1633).
وَلأِنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ، فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الصِّيغَةِ مِنَ الْوَاقِفِ كَالْعِتْقِ، وَيُفَارِقُ الْهِبَةَ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ، وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الأْصْل وَتَسْبِيل الْمَنْفَعَةِ، فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى " انتهى .
وقال الخرشي في "مختصره" (7/84): " وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي الْوَقْفِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ " انتهى .
ثانيا:
يجب التزام شرط الواقف
يجب التزام شرط الواقف وما عيّنه مصرفا للوقف حتى قال الفقهاء: إن نص الواقف كنص الشارع، أي في وجوب الالتزام به، لا فرق في ذلك بين الواقف نفسه أو غيره.
قال في دليل الطالب ص 188: " ونص الواقف كنص الشارع، يجب العمل بجميع ما شرطه ما لم يفض إلى الإخلال بالمقصود" انتهى.
ثالثا:
حكم تغيير شرط الواقف للأفضل والأصلح
أجاز بعض أهل العلم تغيير شرط الواقف إذا غيّر للأصلح والأفضل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَيَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ : صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ : فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 429).
وإذا كنت وقفت الشقتين على أن ريعهما يستخدم لخدمة القرآن الكريم من شراء مصاحف وإنشاء دور لتحفيظ القرآن الكريم، فإننا نرى عدم تغيير ذلك إلى بناء المساجد أو حفر الآبار؛ لأن مصلحة خدمة القرآن مصلحة عظيمة، والناس بأمس الحاجة إلى دور التحفيظ مع كثرة المساجد، وكثرة من يقوم بحفر الآبار، فلا يظهر لنا أن هذه الأشياء أكثر مصلحة، مما جعلته في وقفك، والأصل البقاء على الوقف وعدم تغييره.
ويجوز أن تنشئ هذه الدور في أفريقيا ، وتدعم من يعلم الناس هناك كتاب الله ، حفظا ، وفهما ودرسا ؛ ما لم تكن عينت بلدك في الوقف.
والله أعلم.
تعليق