الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

لماذا لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا رجلا من المشركين؟!

354259

تاريخ النشر : 23-02-2023

المشاهدات : 23265

السؤال

ذكرتم أن النبي صلى الله عليه وسلم في كل غزواته لم يقتل بيده إلا أبي بن خلف، فإذا كان هذا متصورا، فلماذا قتل واحدا فقط، ولم يقتل غيره، مع إنه من المعلوم أن الموطن ليس موطن رحمة ولا شفقة، وأنه عليه الصلاة والسلام يقاتل، ولا يكتفي بالتدبير ونحوه، بل ذُكر أنه إذا اشتد البأس احتُمي به؟

الجواب

الحمد لله.

لعلك تقصد ما ورد في جواب السؤال رقم: (20181).

وليس في هذا ما يستشكل بحمد الله تعالى؛ لأن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم من ثبوتها كثرة القتلى لأمور:

الأمر الأول:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين.

قال الله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.

ومن رحمته أن لا تجري الدماء غزيرة على يديه، بل كان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الناس.

الأمر الثاني:

ولأن من يقتل بيد النبي صلى الله عليه وسلم يشتد عليه العقاب.

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري (4073)، ومسلم (1793).

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

"اعلم أن الأنبياء بعثوا بالرحمة واللطف، فلا يقصدون بالقتل إلا المبارِز بالعناد، وكذلك لا يبلغ أذى المشرك إلى أن يدمي وجه نبي الله إلا وقد فاق في العناد، فصلح هذا أن يقاتل بشدة الغضب عليه. وقد كانت تَدْمِيةُ وجه رسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ويومئذ قتل أبي بن خلف" انتهى من "كشف المشكل " (2/421).

وقال أيضا: "لأن الرسول يرجى منه الرحمة، فإذا اشتد غضبه، وأخرج إلى القتل؛ دلّ على أن المقتول في غاية الشقاء. وقد قتل عليه السلام أبي بن خلف يوم أحد" انتهى من"كشف المشكل " (3/501).

الأمر الثالث:

شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وثباته: لا يلزم منها أن يقتل عددا كبيرا من المشركين، لأن الصحابة كانوا يحيطون به، ويفدونه بأنفسهم، فلم يكونوا يدعون أحدا من المشركين يصل إليه صلى الله عليه وسلم، ولكن أبي بن خلف جاء بعد انتهاء المعركة، والرسول صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه يستريح من عناء ما أصابه، فجاء هذا الشقي يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان لابد من مواجهته، وواجهه الرسول صلى الله عليه وسلم تحقيقا لمعجزة دالة على نبوته، فإنه كان قد أخبرهم أنه سيقتله .

الأمر الرابع :

ليست الشجاعة بكثرة القتلى، وإنما تكون بثبات القلب، ورباطة الجأش، وعدم الخوف من الأعداء ، والثبات في ميادين النزال، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، واعتبر هذا بغزوة أحد، حيث المعتاد في حروب البشر أن المدعي للانتصار هو الذي يسيطر على ساحة المعركة، كما حصل من المسلمين في غزوة بدر حيث فر المشركون وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في ساحة المعركة، وأزال ما فيها من جثث المشركين.

لكن في غزوة أحد نجد أنه مع ما كان من سيطرة المشركين على نهاية المعركة، وفرار الصحابة رضوان الله عليهم، لكن ثبات النبي صلى الله عليه وسلم أعاد جمع صفوف الصحابة.

قال الله تعالى:(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) آل عمران/153.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله:( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ ) أي: صرفكم عنهم ( إِذْ تُصْعِدُونَ) أي: في الجبل هاربين من أعدائكم...

( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ ) أي: وأنتم لا تلوون على أحد من الدَّهَش والخوف والرعب.

( وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) أي: وهو قد خلفتموه وراء ظهوركم، يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء، وإلى الرجعة والعودة والكرة " انتهى من"تفسير ابن كثير" (2/137).

وهذا الثبات دفع المشركين مع ادعائهم الانتصار إلى أن يغادروا هم ساحة المعركة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في ساحة المعركة حتى دفنوا من قتل.

وكذا كان الأمر في غزوة حنين، فإن ثبات النبي صلى الله عليه وسلم ثبّت قلوب من فرّ من المسلمين، فرجعوا واستأنفوا القتال حتى كتب الله تعالى لهم النصر.

عن عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: "شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيْ عَبَّاسُ، نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ)، فَقَالَ عَبَّاسٌ: وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللهِ، لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ...) رواه مسلم (1775).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب