الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما صحة قصة قدوم حليمة السعدية على النبي صلى الله عليه وسلم أيام خديجة؟

356005

تاريخ النشر : 12-07-2021

المشاهدات : 30186

السؤال

ما صحة حديث استقبال الرسول لأمه حليمة السعدية في ظل وجود أم المومنین خديجة رضي الله عنها، واستئذانها قبل الدخول، ثم حسن استقبالها وإكرامها؟ 

ملخص الجواب

1. قدوم حليمة السعدية على النبي صلى الله عليه وسلم أيام خديجة رضي الله عنها ورد فيه أثر ضعيف جدا لا يثبت. 2. أما قدوم حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون ذكر خديجة فقد ورد فيه عدة آثار، كلها في إسنادها مقال، ومنها من يصرح باسمها ومنها من لا يصرح باسمها فيه، وقد تكون حليمة وقد تكون غيرها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرضعته ثويبة وحليمة. 

الحمد لله.

أولا: 

قدوم حليمة السعدية على النبي صلى الله عليه وسلم أيام خديجة

حليمة بنت عبد الله بن الحارث السعدية أرضعت نبينا صلى الله عليه وسلم، واختلف في إسلامها.

وأما قدومها على النبي صلى الله عليه وسلم أيام خديجة: فقد ورد فيه أثر ضعيف جدا لا يثبت.

أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1/113)، وأبو إسحاق الحربي في "غريب الحديث" (1/55)، من طريق محمد بن عمر الواقدي، قال أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ قَالَ:" قَدِمَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَقَدْ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ، فَتَشَكَّتْ جَدْبَ الْبِلَادِ، وَهَلَاكَ الْمَاشِيَةِ، فَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ فِيهَا، فَأَعْطَتْهَا أَرْبَعِينَ شَاةً، وَبَعِيرًا مُوَقَّعًا لِلظَّعِينَةِ وَانْصَرَفَتْ إِلَى أَهْلِهَا".

وإسناده فيه أكثر من علة.

فيه مبهم، وهو راوي القصة، "شيخ من بني سعد".

وكذلك فيه انقطاع، فإن أسامة بن زيد الليثي من الطبقة السابعة، وهم كبار أتباع التابعين، فشيخه المبهم قد يكون ممن أدرك الصحابة أو لم يدركهم؛ وعلى حال، فالطريق مرسل فيه انقطاع.

وكذلك فيه الواقدي، متروك الرواية، يستأنس برواياته في المغازي والسير.

قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (9/469):" وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الوَاقِدِيَّ ضَعِيْفٌ، يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ، وَنُوْرِدُ آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ، أَمَّا فِي الفَرَائِضِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ، فَهَذِهِ الكُتُبُ السِّتَّةُ، وَمُسْنَدُ أَحْمَد، وَعَامَّةُ مَنْ جَمَعَ فِي الأَحْكَامِ، نَرَاهُم يَتَرَخَّصُوْنَ فِي إِخْرَاجِ أَحَادِيْثِ أُنَاسٍ ضُعَفَاءَ، بَلْ وَمَتْرُوْكِيْنَ، وَمَعَ هَذَا لاَ يُخَرِّجُوْنَ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ شَيْئاً، مَعَ أَنَّ وَزنَهُ عِنْدِي أَنَّهُ - مَعَ ضَعْفِهِ - يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ وَيُرْوَى؛ لأَنِّي لاَ أَتَّهِمُهُ بِالوَضْعِ، وَقَوْلُ مَنْ أَهدَرَهُ فِيْهِ مُجَازَفَةٌ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ مَنْ وَثَّقَهُ: كَيَزِيْدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالصَّاغَانِيِّ، وَالحَرْبِيِّ، وَمَعْنٍ، وَتَمامِ عَشْرَةِ مُحَدِّثِيْنَ، إِذْ قَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ اليَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّ حَدِيْثَهَ فِي عِدَادِ الوَاهِي " انتهى.

تنبيه: 

قوله في هذا الأثر: (وَبَعِيرًا مُوَقَّعًا): قال ابن الأثير رحمه الله: "الْمُوَقَّعُ: الَّذِي بِظَهره آثارُ الدَّبَرِ، لكَثْرَة مَا حُمِل عَلَيْهِ ورُكب، فَهُوَ ذَلُولٌ مُجَرَّب. والظَّعِينة: الهَوْدَج هاهنا" انتهى من "النهاية في غريب الحديث والأثر" (5/215). 

ثانيا:

قدوم حليمة السعدية على النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر خديجة

وأما قدوم حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون ذكر خديجة فقد ورد فيه عدة آثار، كلها في إسنادها مقال، ومنها من يصرح باسمها ومنها من لا يصرح باسمها فيه، وقد تكون حليمة وقد تكون غيرها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرضعته ثويبة وحليمة.

ومن هذه الآثار ما يلي:

الأول: ما أخرجه أبو داود في "سننه" (5144)، وابن حبان في "صحيحه" (4232)، من طريق جعفر بن يحيى بنِ عُمارةَ بنِ ثوبانَ، أخبرنا عُمارة بنُ ثوبانَ، أنَّ أبا الطُّفَيْلِ أخبره، قال:" رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لحماً بالجِعْرانَةِ، قال أبو الطفيلِ: وأنا يومئذٍ غُلامٌ أحمِلُ عَظْمَ الجَزُورِ، إذ أقبلَتِ امرأةٌ، حتى دَنَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبسَطَ لها ردَاءَه، فَجَلَسَت عليه، فقلتُ: مَن هِيَ؟ فقالوا: هذه أُمُّه التي أرضَعَتْه ".

وإسناده ضعيف، فيه مجهولان:

الأول: "عمارة بن ثوبان"، قال فيه الذهبي كما في "الكاشف" (4002):" وثق، وفيه جهالة ". انتهى، وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/151): "مجهول الحال" انتهى ـ، وقال ابن حجر في "التقريب" (4839): "مستور" انتهى.

الثاني: جعفر بن يحيى بن عمارة بن ثوبان.

قال علي بن المديني كما في "تهذيب الكمال" (5/116): "مجهول". انتهى، وكذا قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/152)، والذهبي في "ديوان الضعفاء" (774).

الثاني: ما أخرجه أبو داود في "سننه" (5144)، من طريق عمرو بن الحارث، أن عُمَرَ بنَ السَّائِبِ، حَدّثه: أنه بلغه (أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان جالِساً يوماً، فأقبلَ أبوه مِن الرَّضاعَةِ، فوضع له بعضَ ثوبِه، فقعَدَ عليه، ثم أقبلت أُمُّه فوضع لها شِقَّ ثوبِه من جانبِه الآخَرِ، فجلَسَتْ عليه، ثم أقبل أخُوه مِن الرَّضَاعَةِ، فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسَه بينَ يديه).

وهذا معضل، فإن عمر بن السائب بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم رجلان على الأقل.

الثالث: ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1/113)، وحسين بن حرب في "البر والصلة" (80)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (213)، من طريق يحيى بن سعيد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ:(جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظِئْرُهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَه، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّي ، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَلَى رِدَائِهِ).

وهو مرسل، فإن محمد بن المنكدر من طبقة أوساط التابعين.

وهذه الطرق مع أنها لا تخلو جميعا من مقال، إلا أن مجيئها من طرق متعددة يدل على أن لقدومها على النبي صلى الله عليه وسلم أصلا، غير أن قدومها أيام خديجة لم ينقل إلا من طريق واحد لا يثبت.

ومن أراد الاستزادة يمكنه مراجعة الجواب رقم (132501).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب