الحمد لله.
أولا:
يحرم أكل المتردية؛ إلا أن تذكى وفيها حياة مستقرة؛ لقول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ المائدة/3 .
قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله : ( إلا ما ذكيتم ) عائد على ما يمكن عوده عليه، مما انعقد سبب موته، فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة ، وذلك إنما يعود على قوله : (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ)" انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 11).
ثانيا:
يشترط لصحة التذكية أن تكون في موضعها، وهو الحلق واللُّبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ويقطع المريء والحلقوم والودجان، والأقوى أن قطع ثلاثة من الأربعة يبيح، سواء كان فيها الحلقوم أو لم يكن؛ فإن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم، وأبلغ في إنهار الدم " انتهى من "الاختيارات" ص 468
ويستثنى من ذلك الحيوان الذي لا يُقدر على ذبحه، كالناد والشارد، والمتردي في بئر ونحوه مما لا يمكن ذبحه، فيعقر، والعقر هو القتل بجرح في غير الحلق واللبة.
قال في "كشاف القناع" (6/ 207): " (فإن عجز) المذكي (عن قطع الحلقوم والمريء، مثل أن يند البعير أو يتردى في بئر، فلا يقدر) المذكي (على ذبحه : صار كالصيد : إذا جرحه في أي موضع أمكنه، فقتله؛ حل أكله) . روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة ، لحديث رافع بن خديج قال : «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فند بعير ، وكان في القوم خيلٌ يَسيرة ، فطلبوه ، فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش ، فما غلبكم منها فاصنعوا به كذا ) . وفي لفظ : ( فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا ) متفق عليه .
(إلا أن يموت) المعجوز عن ذبحه (بغيره) ، أي بغير الجرح الذي جرحه ، (مثل أن يكون رأسه في الماء ؛ فلا يباح) أكله (ولو كان الجرح موحيا) ؛ لحصول قتله بمبيح وحاظر ، فيغلب جانب الحظر (كما لو جرحه مسلم ومجوسي) أو ذبحاها" انتهى.
وعليه ؛ فإذا كان في البئر ماء، ووقع رأس البقرة في الماء، فإنها لا تحل ، حتى لو جرحها جرحا مهلكا، فكيف إذا كان الجرح في ذيلها !
وإن كانت البئر خالية من الماء، فلا يكفي جرحها في ذيلها؛ إلا إذا كان ذلك يؤدي إلى موتها، فشرط الجرح : أن تموت به البهيمة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولو تردى بعير في بئر، فتعذر نحره ، فجرح في أي موضع من جسده ، فمات به : حل أكله" انتهى من "عمدة الفقه"، ص117.
وقال النووي رحمه الله: " (فرع) في كيفية الجرح المفيد للحل في الناد والمتردي : وجهان: (أصحهما) وبه قطع المصنف والجمهور : أنه يكفي جرح يفضي إلى الزهوق، كيف كان.
(والثانى) لابد من جرح مذفّف، واختاره القفال وإمام الحرمين".
والمذفف: هو المسرع للقتل.
إلى أن قال: " فالصواب أنه في أي موضع جرحه ، فمات منه : حل ، سواء الخاصرة والفخذ وغيرهما ، لحديث رافع بن خديج المذكور في الكتاب ، وقوله صلى الله عليه وسلم (فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) ، وهو ثابت في الصحيح" انتهى من المجموع (9/ 124).
والله أعلم.
تعليق