الحمد لله.
يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها للنفقة عليها وعلى أولادها إذا كان لا ينفق عليهم النفقة الواجبة؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها : " أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ رواه البخاري (5364).
قال ابن قدامة رحمه الله: "قال: (فإن منعها ما يجب لها، أو بعضه، وقدرت له على مال، أخذت منه مقدار حاجتها بالمعروف، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند حين قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ).
وجملته: أن الزوج إذا لم يدفع إلى امرأته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة، أو دفع إليها أقل من كفايتها، فلها أن تأخذ من ماله: الواجبَ أو تمامَه، بإذنه، وبغير إذنه؛ بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف؛ وهذا إذن لها في الأخذ من ماله بغير إذنه، وردٌّ لها إلى اجتهادها في قدر كفايتها وكفاية ولدها، وهو متناول لأخذ تمام الكفاية، فإن ظاهر الحديث دل على أنه قد كان يعطيها بعض الكفاية، ولا يتممها لها، فرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه؛ لأنه موضع حاجة، فإن النفقة لا غنى عنها، ولا قوام إلا بها، فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها، أفضى إلى ضياعها وهلاكها، فرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في أخذ قدر نفقتها، دفعا لحاجتها، ولأن النفقة تتجدد بتجدد الزمان شيئا فشيئا، فتشق المرافعة إلى الحاكم، والمطالبة" انتهى من "المغني" (8/ 201).
فإن كان ينفق عليها وعلى أولادها كفايتهم في الحال، حرم عليها أن تأخذ من مال زوجها دون إذنه؛ لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ النساء/29.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).
وقوله صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).
وما ذكرت من تخوفها ألا ينفق على أولادها بعد الطلاق، ليس عذرا، وهو من تلبيس إبليس عليها، ولا يجوز ارتكاب الحرام بالتوهم والظن، ثم إنه إن قصر في النفقة فالسبيل المشروعة مقاضاته.
وأما هي فلا نفقة لها بعد العدة، إلا أن تكون حاضنة وتطلب نفقة الحضانة.
والواجب عليها الآن التوبة إلى الله تعالى، ورد أصل المال إلى زوجها، ولا يلزمها إعلامه بذلك.
وأما الربح: فهل يكون لها، أم لصاحب المال، أم يقسم بينهما؟
خلاف بين الفقهاء، وأعدل الأقوال أنه يقسم بينهما، فيكون لها ربح المثل، فينظر عرف الناس عندهم في المضاربة كم يأخذ العامل من نسبة كالنصف أو الثلث، فيكون لها، وترد الباقي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ... فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه.
لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه، وأنه لا يمكن أن يذهب مثلاً إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا، وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن يوصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً الطلاق / 2، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً الطلاق / 4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/ 162).
والله أعلم.
تعليق