الحمد لله.
تعظيم وتوفير السلف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان السلف الصالح عامة، وأهل الحديث خاصة يعظمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوقرونه .
وكان من توقيرهم له أنهم كانوا يستحبون أن يحدثوا به على طهارة، بل وكره بعضهم أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير وضوء، وكان بعضهم إذا لم يجد ماء تيمم لذلك.
فقد روى عبد الرزاق في "مصنفه" (1344) ، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (733) ، عن قتادة ، قال :" لَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقْرَأَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى وُضُوءٍ".
وإسناده صحيح عن قتادة .
وروى ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1256)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص586)، من طريق محمد بن إسماعيل بن سمرة ، قال ثنا اسحاق ابن الربيع العصفري ، عن الأعمش ، عن ضرار بن مرة قال :"كانوا يكرهون أن يحدثوا وهم على غير وضوء".
وإسناده حسن لأجل " إسحاق بن الربيع العصفري ، قال فيه الذهبي كما في "تهذيب التهذيب" (1/232) :" صدوق ".
وقول قتادة :" كان يستحب "، وقول ضرار " كانوا يكرهون "، يحمل غالبا على كبار التابعين ، حيث جُلُّ روايتهم عنهم.
وروى البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (694) ، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (985) ، من طريق إسحاق بن الربيع، قال :( رأيت الأعمش إذا أراد أن يحدث على غير طهور تيمم ).
وإسناده حسن كسابقه .
الإمام مالك كان لا يحدث عن رسول الله إلا وهو على وضوء
وأما النقل عن الإمام مالك في ذلك فهو مشهور صحيح عنه ، وهذا من شدة توقيره وتعظيمه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد روى الجوهري في "مسند الموطأ" (51) ، وابن نصر في "فوائده" (67) ، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (983) ، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1260) ، عن أبي مصعب الزهري قال: "كان مالك بن أنس لا يحدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا على وضوء ، إجلالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وإسناده صحيح إلى مالك رحمه الله.
وروى محمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (731) ، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص585) ، من طريق أبي سلمة الخزاعي ، قال :" كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج ليحدث : توضأ وضوءه للصلاة ، ولبس أحسن ثيابه ، ولبس قلنسوة ، ومشط لحيته ، فقيل له في ذلك ؟ فقال : أوقر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وإسناده صحيح إلى مالك رحمه الله .
وروى البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (692) ، من طريق إسماعيل بن أبي أويس ، قَالَ :"كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ : تَوَضَّأَ ، وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِ فِرَاشِهِ ، وَسَرَّحَ لِحْيتَهُ ، وَتَمَكَّنَ فِي جُلُوسِهِ بِوَقَارٍ وَهَيْبَةٍ ، وَحَدَّثَ .
فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ؟
فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أُحَدِّثُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا.
وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ هُوَ قَائِمٌ، أَوْ مُسْتَعْجِلٌ ، وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَتَفَهَّمَ مَا أُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وإسناده صحيح إلى مالك رحمه الله.
فإن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، وثقه الذهبي في "العبر" (2/76)، وجده الفضل بن محمد بن المسيب الشعراني، ثقة فاضل رحال، له ترجمة مليحة في "سير أعلام النبلاء" (13/317) .
وقد نصَّ الإمام النووي وغيره على استحباب أن يكون المحدث على طهارة إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي في "التقريب" (ص59) :" ويستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ويتطيب ويسرح لحيته ويجلس متمكناً بوقار".
وقال السخاوي في "فتح المغيث" (2/314) :" ثم عند إرادتك نشرك الحديث بالنية الصحيحة ، إن شاء الله : توضأ وضوءك للصلاة ، واغتسل اغتسالك من الجنابة ، بحيث تكون على طهارة كاملة ".
وكل هذا من باب توقير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس على سبيل الوجوب وإنما الفضل والاستحباب.
قال الخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (3/127):" كراهة من كره التحديث في الأحوال التي ذكرناها من المشي ، والقيام ، والاضطجاع ، وعلى غير طهارة ، إنما هي على سبيل التوقير للحديث والتعظيم والتنزيه له ، ولو حدث محدث في هذه الأحوال لم يكن مأثوما ، ولا فعل أمرا محظورا ، وأجل الكتب كتاب الله ، وقراءته في هذه الأحوال جائزة ، فقراءة الحديث فيها بالجواز أولى ".
وخلاصة الجواب:
أنه يستحب التطهر عند ذكر الله، ومن ذلك قراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد ذلك عن كثير من السلف، وصح واشتهر عن الإمام مالك رحمه الله.
والله أعلم .
تعليق