الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل الإسلام مسؤولية؟

364891

تاريخ النشر : 20-02-2022

المشاهدات : 5227

السؤال

هل الإسلام مسؤولية على عاتق كل مسلم ومسلمة كالعقد الذي يربط بين طرفين تترتب عليه حقوق وواجبات وجزاء وعقاب؟ وما معنى المسؤولية بهذا المعنى ؟ وما هي مقتضياتها؟ وما هو حكم من يفرط فيها؟

الجواب

الحمد لله.

مصطلح "المسئولية" من المصطلحات التي لم تأت في اللسان الأول، ولا جرت بها استعمال في نصوص الكتاب والسنة، وإنما تميز بها هذا العصر الحديث.

جاء في "موسوعة نضرة النعيم" (8 /3401):

" ولفظ "المسئوليّة" من الألفاظ المحدثة الّتي يراد بها التّبعة.

يقال: أنا بريء من مسئوليّة هذا العمل أي من تبعته، وقيل: المسئوليّة ما يكون به الإنسان مسئولا ومطالبا عن أمور أو أفعال أتاها...

واصطلاحا:

قال الدّكتور دراز: تعني المسئوليّة كون الفرد مكلّفا بأن يقوم ببعض الأشياء وبأن يقدّم عنها حسابا إلى غيره.

وينتج عن هذا التّحديد أنّ فكرة المسئوليّة تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله، وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال... " انتهى.

والحاصل: أن مصطلح "المسئولية" : هو تعبير عن التزام الشخص بالقيام بواجبات عليه، يُسأل عن تنفيذها ويُحاسب عليها من طرف جهة أعلى منه.

والإسلام بهذا المفهوم هو مسئولية على كل شخص: فعلى كل إنسان أن يقوم بما أوجبه الله عليه، وسوف يحاسبه الله تعالى إن أخل بهذه الواجبات .

قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات/56.

وقال سبحانه وتعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ الأعراف/6.

وقال الله تعالى: وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النحل/93.

لكن تكاليف هذه المسئولية على نوعين:

النوع الأول:

هي تكاليف تجب على الشخص بعينه، وسيسأل عنها أمام الله تعالى، وتسمى بـ "الواجبات العينية"، كالإيمان والصلاة والصيام وبر الوالدين والقيام بما عليه تجاه من تحت رعايته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ففروض الأعيان: مثل ما يجب على كل رجل إقامة الجماعة والجمعة في مكانه مع أهل بقعته، ويجب عليه زكاة نوع ماله بصرفه إلى مستحقه لجيران ماله، ويجب عليه استقبال الكعبة من ناحيته، والحج إلى بيت الله من طريقه، ويجب عليه بر والديه وصلته ذوي رحمه، والإحسان إلى جيرانه وأصحابه ومماليكه ورعيته، ونحو ذلك من الأمور " انتهى من"مجموع الفتاوى" (19 /118).

كما في قول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ التحريم/6.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" ويجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف كزوجته، وأولاده، ونحوهم، وينهاهم عن المنكر: لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا الآية " انتهى من"أضواء البيان" (2/ 209).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فهو رَاعٍ عليهم وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِرواه البخاري (2554)، ومسلم (1829).

النوع الثاني:

ما يجب على مجموع الأمة، فإن قام به بعض الأمة سقط عن الباقين ، وهذا يسمى بـ "الواجب على الكفاية"؛ كصلاة الجنازة، وتعلم علوم الشرع وتعليمها للناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومساعدة المحتاج، وإنقاذ من يوشك على الهلاك، إذا وجد من ينقذه غيره . ونحو هذا.

فهذه الأمور إذا قام بها بعض المسلمين وحصل المقصود رفع الإثم عن باقي المسلمين ولم يطالبوا بها.

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

" وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودا به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم.

ولو ضيعوه معا خفت أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا أشك، إن شاء الله، لقوله: (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما).

قال: فما معناها؟

قلت: الدلالة عليها أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم، ونفير بعضهم - إذا كانت في نفيره كفاية - يخرج من تخلف من المأثم، إن شاء الله، لأنه إذا نفر بعضهم وقع عليهم اسم "النفير".

قال: ومثل ماذا سوى الجهاد؟

قلت: الصلاة على الجنازة ودفنها، لا يحل تركها، ولا يجب على كل من بحضرتها كلهم حضورها، ويخرج من تخلف من المأثم من قام بكفايتها...

ولم يزل المسلمون على ما وصفت، منذ بعث الله نبيه - فيما بلغنا - إلى اليوم: يتفقه أقلهم، ويشهد الجنائز بعضهم، ويجاهد ويرد السلام بعضهم، ويتخلف عن ذلك غيرهم، فيعرفون الفضل لمن قام بالفقه والجهاد وحضور الجنائز ورد السلام، ولا يؤثمون من قصر عن ذلك، إذا كان بهذا قائمون بكفايته." انتهى من"الرسالة" (ص 366-369).

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" وينقسم الواجب أيضا باعتبار فاعله إلى واجب عيني، وواجب على الكفاية.

فالواجب العيني: هو ما ينظر فيه الشارع إلى ذات الفاعل، كالصلاة والزكاة والصوم؛ لأن كل شخص تلزمه بعينه طاعة الله عز وجل لقوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ).

وأما الواجب على الكفاية: فضابطه أنه ينظر فيه الشارع إلى نفس الفعل، بقطع النظر عن فاعله، كدفن الميت، وإنقاذ الغريق ونحو ذلك، فإن الشارع لم ينظر إلى عين الشخص الذي يدفن الميت أو ينقذ الغريق، إذ لا فرق عنده في ذلك بين زيد وعمرو، وإنما ينظر إلى نفس الفعل الذى هو الدفن والإنقاذ مثلا " انتهى  من"مذكرة أصول الفقه"(ص 13–14).

فالحاصل؛ أن الإسلام مسئولية؛ لأن الإنسان مكلف بشرائع الإسلام وسيسأل عنها.

ومن هذه الشرائع ما هو واجب على المسلم بعينه، ومنها ما هو واجب على جماعة المسلمين إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقي.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب