الحمد لله.
لا يجوز للمرأة طلب الطلاق إلا لعذر؛ لما روى أحمد (22440)، وأبو داود (2226)، والترمذي (1187)، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) .
والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان كما ذكر الحافظ في "الفتح" (9/403)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
والبأس: الشدة والمشقة، كسوء عشرة الزوج، كضربها أو إهانته لها.
لكن إن كرهت زوجها وأبغضته، وخشيت ألا تقوم بحقه، جاز لها طلب الخلع، فترد إليه ما أعطاها، كما روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً).
وعند ابن ماجه (2056) (لا أطيقه بغضاً) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
وعند أحمد (16095): (وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا).
والأفضل أن يتم ذلك بلفظ الخلع، حتى لا يحسب من عدد الطلقات لو فكرا في الزواج مرة أخرى.
ويجوز أن يكون طلاقا على عوض، ويحسب من عدد الطلقات، وتبين المرأة بذلك –وبالخلع أيضا- بينونة صغرى، فلا تحل لهذا الزوج إلا بعقد جديد.
وللزوجين أن يتفقا في الخلع، أو في الطلاق بعوض، على أقل من المهر أو أكثر.
فلو رضي الزوج ألا تدفعي إلا 150 دينار، وخلعك أو طلقك، فلا بأس.
وله أن يأبى خلعك أو تطليقك حتى تدفعي 400 دينار أو أكثر، لكن لا يستحب أن يأخذ أكثر مما أعطاها.
قال ابن قدامة رحمه الله : " ( ولا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها ) هذا القول يدل على صحة الخلع بأكثر من الصداق , وأنهما إذا تراضيا على الخلع بشيء: صح ، وهذا قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي .
ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا : لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها , وعقاص رأسها: كان ذلك جائزا .
وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب : لا يأخذ أكثر مما أعطاها . وروي ذلك عن علي بإسناد منقطع ...
ولنا : قول الله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به . ولأنه قول من سمينا من الصحابة , قالت الربيع بنت معوذ : اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي , [أي بجميع ما أملك إلا ما تربط به شعرها]؛ فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه . ومثلُ هذا يُشتهر , فلم يُنكَر , فيكون إجماعا، ولم يصح عن علي خلافه .
فإذا ثبت هذا: فإنه لا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها . وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وإسحاق وأبو عبيد.
فإن فعل: جاز مع الكراهية , ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي .
قال مالك : لم أزل أسمع إجازة الفداء بأكثر من الصداق " انتهى من "المغني"(7/247).
وإذا لم يصل الأمر إلى البغض والكراهية فنوصيك أن تتمهلي ولا تستعجلي في أمر الطلاق، ولعل ما تجدينه من عدم الانسجام شعور عارض، واستشيري أهلك، واستخيري ربك، واحذري طلب الطلاق لغير عذر معتبر.
والله أعلم.
تعليق