الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

يريد الدخول في الإسلام، ويطلب إرشادات لحياته الجديدة

السؤال

أنا شخص غير مسلم، وأريد الدخول في الإسلام لإقامة حياة جديدة، بمجتمع إسلامي جميل، فهل أجد ما يساعدني ويرشدني ؟

الجواب

الحمد لله.

كم هو مفرح لنا، يا عبد الله، أن تراسل موقعنا، وقد بدأ النور يشرق على قلبك، وقد بدأ قلبك ينفتح، وينفسح، ليستقبل ذلك النور الجديد، الذي أحب الله لعباده أن يستضيئوا به!!

وتلك هي اللحظة المصيرية الفارقة في حياتك كلها، ليست حياتك الدنيوية الزائلة هذه، فحسب؛ بل ما يترتب على حالك هنا، من حياتك الأبدية السرمدية؛ فإما في جنة الله، كما يحبه الله لعباده، وكما نرجوه لك، خالدا مخلدا فيها، منعما في جنانها، لا تبأس، ولا تتعب، ولا تموت، ولا تهرم، ولا تغتم، ولا تحزن ؛ بل : سعيد، سعادة الأبد ...

وإما في نار جهنم، أعاذنا الله وإياك منها، خالدا مخلدا، لا يموت من فيها، فيرتاح، ولا يحيا حياة الراحة، والعافية، بل يذوق أهلها عذاب الهُون، خالدين فيها، أبد الآبدين، وما هم منها بمخرجين.

تلك اللحظة التي تحدثنا فيها عن "رغبتك في الدخول في الإسلام" : هي من أعظم لحظات انفساح صدرك، بعد الضيق، واستنارته، بعد الظلام . قال الله تعالى : َمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ الأنعام/125

فاغتنم يا عبد الله تلك اللحظة، ولا تسوف، ولا تؤجل، ولا تتأخر عن اغتنامها ...

لا تغلق هذه النافذة، وقد انفتح على قلبك بنسائم الأسحار، والإصباح... ؛ فإنك متى أغلقتها، وأعاذك الله من ذلك، أوشك قلبك أن يموت، بلا نفس من الرحمن يحييه .

لا تتأخر عن استنشاق ذلك النسيم الذي هب على قلبك ؛ فإنك متى تأخرت عن اغتنام نسيم الصباح العليل، أوشك حر الشمس أن يلفحك، ويحرقك باللهيب...

بادر يا عبد الله، فإن الفرصة إذا فاتت، ربما لا تعود . قال الله تعالى : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأنعام/110

بادر، يا عبد الله في هذه اللحظة، فقد ضيعها أناس، ثم تمنوا أن تعود؛ وهي إذا فات الأوان، وتصرم الزمان: لا تعود. قال الله تعالى: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ الحجر/1-3.

بادر، يا عبد الله ؛ فإن الأمر يسير ؛ يسير، جِدُّ يسير، على من يسره الله عليه، ووفقه إليه:

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ  وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ؟!

قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ:

تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ» .

ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ. قَالَ: ثُمَّ تَلَا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ [السجدة: 16]، حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] .

ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ .

ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟

قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ.

فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا!!

فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ.

رواه الترمذي (2616)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ورواه أحمد وغيره، وصححه الألباني.

لست في حاجة إلى كاهن "يعمدك"، ولا واسطة تتوسط لك، ولا إلى أحد من الخلق، يدلك عليه، فهو سبحانه دليل نفسه، وقد تعرف إليك في وحيه، وعلى لسان رسله، فتوجه إليه، فإنه قريب، أقرب إليك مما تظن، أو تتخيل:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة/186

لست في حاجة إلى أن تسأل عن وقت، أو ساعة، من ليل أو نهار، تدخل فيها على ربك، وتبدأ فيها حياتك الجديدة، فكل الساعات : هي وقت ذلك :

عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا . رواه مسلم (2759).

إياك أن يصدك الشيطان عن دين الله، ويحول بينك وبين ربك، لأجل ذنب عملته، ولا ماض مظلم كنت فيه ؛ فدع هذا كله خلف ظهرك، وابدأ صفحة جديدة، بيضاء نقية، بعهد جديد مع ربك، وتوبة من الكفر، وما كان فيه، أيا كان الذي مضى في زمان الكفر:

قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الزمر/53-61

يا عبد الله ؛ إن  (الإسلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) من الشرك، وعمل الشرك، وحال الشرك، وعقد الشرك ؛ فألق هذه الأوزار عن كاهلك، فقد أثقلتك، وابدأ حياتك النقية الصفية مع رب العالمين، وادخل عليه، وفر إليه!!

نعم، سعادتك، وراحتك، وهناءتك، في الدنيا والآخرة، إنما هي بما فتح لك من هذا الباب العتيد، وأضيء لك من النور الجديد :

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود/103-108

لست الآن في حاجة إلى شرط، ولا قيد، أكثر من أن تترك دينك القديم، وتدخل في الإسلام بأن تقول : أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.

وتعلم، أنك بذلك قد تركت عقائدك الأولى، وأديان الناس كلها، ولم يبق لك رب تعبده، ولا إله تؤمن به، وتصلي إليه سوى رب العالمين .

وليس لك رسول تتبعه، إلا نبي الإسلام، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم .

وليس لك دين، ولا شرع تتبعه : سوى دين الإسلام . قال الله تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ آل عمران/85

ونحب لك، أن تبادر، وتغتسل الآن، لتبدأ صفحتك الجديدة، طاهرة بيضاء، ظاهرا، وباطنا.

وساعة أن تدخل في الإسلام، وتبدأ مع رب العالمين في عهدك الجديد، سوف نكون سعداء بكل سؤال نتلقاه منك، تسأل فيه عن أمر دينك، وما تحتاجه من أمر عباداتك، ومعاملاتك، فلا تتأخر بسؤالنا، وإرسال ما يعرض لك من المسائل والمشكلات.

ولو كان بالقرب منك مركز إسلامي، فالأحسن أن تتواصل معهم، وتختلط بهم، فسوف يكون في ذلك عون لك على ما تحتاجه من أمر دينك، وسوف يهيئ لك ذلك البيئة الجديدة الملائمة للدين الذي دخلت فيه .

نسأل الله أن يشرح صدرك للإسلام، ويهدي قلبك، ويوفقك لما يحبه ويرضاه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب