الحمد لله.
أولا :
يحق لأهل كل بلد أن يتحروا هلال رمضان وشوال وذي الحجة، فإذا ثبت عندهم دخول الشهر بالرؤية، فلهم أن يفعلوا العبادة المشروعة في ذلك الشهر بناء على الرؤية التي ثبتت عندهم، ولا فرق في ذلك بين عبادة صلاة عيد الفطر في شوال، وعبادة صلاة عيد الأضحى والنحر في ذي الحجة.
ولا يلزمهم حينئذ التقيد بيوم وقوف الحجاج على عرفات.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من موظفي سفارة بلاد الحرمين الشريفين في إحدى البلاد : ماذا يفعلون في رمضان ويوم عرفة ؟ هل يتبعون بلاد الحرمين أم البلد الذي هم فيه ؟
فقال بعد أن ذكر اختلاف العلماء في ذلك ، ورجح اختلاف مطالع الهلال :
“ولكن إذا كان البلدان تحت حكم واحد، وأمر حاكم البلاد بالصوم أو الفطر: وجب امتثال أمره؛ لأن المسألة خلافية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.
وبناء على هذا؛ صوموا وأفطروا كما يصوم ويفطر أهل البلد الذي أنتم فيه ، سواء وافق بلدكم الأصلي أو خالفه، وكذلك يوم عرفة اتبعوا البلد الذي أنتم فيه” انتهى، “مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (19/41).
وسئل أيضا عن القول باختلاف مطالع الهلال ، هل ينطبق على هلال ذي الحجة ؟
فأجاب :
“الهلال تختلف مطالعه بين أرض وأخرى في رمضان وغيره، والحكم واحد في الجميع.
لكني أرى أن يتفق الناس على شيء واحد، وأن يتبعوا ما يقوله أمير الجالية الإسلامية في بلاد غير المسلمين؛ لأن الأمر في هذا واسع إن شاءالله، حيث إن بعض العلماء يقول: متى ثبتت رؤية الهلال في بلد الإسلام في أي قطر، لزم الحكم جميع المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية” انتهى، “مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (19/44).
ثانيا :
لكن الواجب على المسلم أن يتبع جماعة المسلمين في بلده في إثبات دخول الشهر، فإذا رأت جماعة المسلمين أن الشهر قد دخل برؤية معتبرة، فلا يصح للأفراد أن يشككوا في هذه الرؤية بمجرد اتباع الظن، ولم يكلفهم الشرع بتكلف طلب اليقين وبالتنطع في ذلك، فإن وقع خطأ غير متعمد في إثبات دخول الشهر، فهو معفو عنه.
فإذا كان في بلادكم هيئة إسلامية تتولى تحديد دخول الشهر وخروجه ويتبعها الناس في ذلك ، كالمراكز الإسلامية أو غيرها ، فالواجب اتباعها .
ففي سنن أبي داود باب: “إذا أخطأ القوم الهلالَ”.
روى (2324) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ .
ورواه الترمذي (697) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ.
ثم قال: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالفِطْرَ مَعَ الجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ ” انتهى.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: ” الحديث بمجموع طرقه صحيح إن شاء الله تعالى ” انتهى. من “إرواء الغليل” (4 / 14).
قال الخطابي رحمه الله تعالى:
” معنى الحديث : أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد ، فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا الهلال إلاّ بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض؛ فلا شيء عليهم من وزر أو عتب.
وكذلك هذا في الحج؛ إذا أخطؤوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته، ويجزيهم أضحاهم كذلك. وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه، ورفق بعباده. ولو كُلِّفوا إذا أخطأوا العدد أن يعيدوا، لم يأمنوا أن يخطئوا ثانيا، وأن لا يسلموا من الخطأ ثالثا ورابعا ، فإن ما كان سبيله الاجتهاد كان الخطأ غير مأمون فيه ” انتهى. “معالم السنن” (2 / 95 / 96).
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” عن أهل مدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة، ولم يثبت عند حاكم المدينة: فهل لهم أن يصوموا اليوم الذي في الظاهر التاسع. وإن كان في الباطن العاشر؟
فأجاب:
نعم، يصومون التاسع في الظاهر، المعروف عند الجماعة، وإن كان في نفس الأمر يكون عاشرا، ولو قدر ثبوت تلك الرؤية.
فإن في السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون ). أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي وصححه.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ) رواه الترمذي .
وعلى هذا العمل عند أئمة المسلمين كلهم. فإن الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ، أجزأهم الوقوف بالاتفاق، وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم.
ولو وقفوا الثامن خطأ ففي الإجزاء نزاع. والأظهر صحة الوقوف أيضا، وهو أحد القولين في مذهب مالك ومذهب أحمد وغيره… ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (25 / 202 – 203).
وسُئلت “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”:
” يوجد عندنا في بلدتنا مجموعة من الإخوة الملتزمين ومعفي اللحى، ولكن يخالفوننا في بعض الأمور، منها مثلا صيام رمضان فإنهم لا يصومون حتى يروا الهلال بالعين المجردة، وبعض الأوقات نصوم قبلهم بيوم أو اثنين في شهر رمضان…
وهكذا في عيد الأضحى يخالفوننا في ذبح أضحية العيد، وفي وقفة عرفات، ويعيدون بعد عيد الأضحى بيومين…
الجواب: يجب عليهم أن يصوموا مع الناس، ويفطروا مع الناس، ويصلوا العيدين مع المسلمين في بلادهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ) متفق عليه، والمراد: الأمر بالصوم والفطر إذا ثبتت الرؤية بالعين المجردة، أو بالوسائل التي تعين العين على الرؤية، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون ).
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى. “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى” (10 / 94 – 96).
والله أعلم.
تعليق