الحمد لله.
أولا:
حكم منع الحمل بشكل مؤقت
لا حرج في منع الحمل منعا مؤقتا باستعمال وسيلة من الوسائل، إذا انتفى الضرر.
ومن ذلك استعمال اللولب، وهو آلة صغيرة مصنوعة من البلاستيك أو من البلاستيك مع النحاس، يوضع داخل تجويف جسم الرحم لمدة تتراوح من 3 – 5 سنوات، وله عدة أشكال ، وتستدل المرأة على وجوده بواسطة خيط في طرفه بارز من عنق الرحم.
ووجود اللولب داخل الرحم يحدث تقلصات في قناتي المبيض والرحم، تؤدي إلى طرد البويضة من الطرق التناسلية، فإذا كانت البويضة بحاجة إلى سبعة أيام لتقطع المسافة من المبيض إلى مكان تعشيشها في الرحم، فمع وجود اللولب داخل الرحم تقطعها في أربع ساعات فقط، وهذا يؤدي إلى موت البويضة قبل أن يتم تلقيحها، أو قبل أن تتمكن من الانغراس في الرحم بعد التلقيح" انتهى من رسالة: "أحكام النوازل في الإنجاب".
ثانيا:
حكم استعمال اللولب في منع الحمل
ذهب جمهور المعاصرين إلى إباحة استعمال اللولب في منع الحمل.
وذهب بعضهم إلى تحريم استعماله، وحجتهم أن البويضة قد تنضج ولا تتمكن التقلصات من طردها من الطرق التناسلية إلا بعد التلقيح، ولكن هذه التقلصات تمنع انغراس هذه البويضة الملقحة في جدار الرحم، قالوا: فهذا نوع من أنواع الإجهاض المبكر، فيحرم استعمال اللولب.
قال الدكتور محمد بن هائل المدحجي في رسالته "أحكام النوازل في الإنجاب" : "لكن الذي يظهر أن هذا الذي ذهبوا إليه من حرمة استخدام اللولب ليس بصحيح؛ وذلك لما يلي :
1-أن الأصل في عمل اللولب هو منع التلقيح _ كما تقرر ذلك في المؤتمر الدولي عن الضوابط والأخلاقيات في بحوث التكاثر البشري في العالم الإسلامي المنعقد في القاهرة في المدة من ( 4-7 ) جمادى الآخرة 1412هـ ، الموافق ( 10-13 ) ديسمبر 1991 م ، والذي نظمه المركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية بجامعة الأزهر_ وأما حدوث التلقيح فيعتبر قليلاً وفق أحدث الدراسات، ومن القواعد المقررة في الشرع أن ( الأكثر له حكم الكل ).
2-أن البويضة الملقحة ليس لها حكم الجنين حتى تنغرس في الرحم، كما قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) المؤمنون/13. وبذلك لا يكون إسقاطها داخلاً في الإجهاض أصلاً. وهذا هو الظاهر من مذهب من يمنع إجهاض النطفة، قال المحب الطبري _ رحمه الله _ : "اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين : قيل : لا يثبت لها حكم السقط والوأد , وقيل : لها حرمة ، ولا يباح إفسادها ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم". ويقول القرطبي رحمه الله : " النطفة ليست بشيء يقيناً ، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة، إذا لم تجتمع في الرحم" .
وهذا الذي تقدم تقريره من أن البويضة الملقحة لا يتعلق بإسقاطها حكم قبل أن تنغرس في الرحم، هو الذي انتهت إليه المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها ( رؤية إسلامية لبعض الممارسات الطبية ) المنعقدة في شعبان 1407 هـ حيث جاء في توصيات الندوة المذكورة ما نصه : "البويضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم" ، كما أنه هو الذي انتهت إليه جمعية العلوم الطبية الإسلامية الأردنية حيث جاء في توصيات ندوات الجمعية المنعقدة بين ( 1413هـ-1415هـ ) ما نصه : "الحياة المحترمة للبويضة الملقحة: إنما تبدأ بعد علوقها في جدار الرحم بين اليومين السادس والسابع بعد التلقيح، وعلى ذلك: فإن استعمال اللولب الطبي لمنع علوق البويضة الملقحة في جدار الرحم: هو أمر جائز" ، والله تعالى أعلم" انتهى.
وتبين بهذا إباحة استعمال اللولب، وهو –كغيره من الوسائل- يستعمل للمنع المؤقت، وقد يحدث معه الحمل، فيقاس على العزل.
بخلاف ما يقطع الحمل نهائيا كربط عنق الرحم أو استئصال الرحم، فهذا محرم لا يباح إلا عند الضرورة.
وقد جاء في إباحة العزل:
1-عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي جارية ، هي خادمنا وسانيتنا [أي ساقيتنا]، وأنا أطوف عليها ، وأنا أكره أن تحمل ، فقال : (اعزل عنها إن شئت ، فإنه سيأتيها ما قدر لها) ، فلبث الرجل ، ثم أتاه فقال : إن الجارية قد حبلت ، فقال : (قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها) رواه مسلم (1439) .
2-عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : "كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل"رواه البخاري (4911) .، وفي رواية : " كنا نعزل على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهنا" رواه مسلم (1440).
3-عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : " أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي أمة، وأنا أعزل عنها، وإني أكره أن تحمل، وإن اليهود تزعم أنها المؤودة الصغرى؟ قال : (كذبت يهود، إذا أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن ترده) رواه أحمد (11288)، وأبو داود (2171) وصححه الألباني.
والعزل مكروه إلا لحاجة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " والعزل مكروه، ومعناه أن ينزع إذا قرب الإنزال، فينزل خارجا من الفرج، رويت كراهته عن عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود. وروي ذلك عن أبي بكر الصديق أيضا؛ لأن فيه تقليل النسل، وقطع اللذة عن الموطوءة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد، فقال: تناكحوا، تناسلوا، تكثروا، وقال: سوداء ولود، خير من حسناء عقيم إلا أن يكون لحاجة ...
فإن عزل من غير حاجة: كُره، ولم يحرم.
ورويت الرخصة فيه عن علي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، والحسن بن علي، وخباب بن الأرت، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وروى أبو سعيد، قال: ذكر - يعني - العزل، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: ولِمَ يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل: فلا يفعل-؛ فإنه ليس من نفس مخلوقة، إلا الله خالقها متفق عليه" انتهى من "المغني" (7/298).
ثالثا:
إبقاء اللولب ليس قطعا للإنجاب بالكلية
إبقاء اللولب لا يعد قطعا للإنجاب بالكلية- والقطع بالكلية محرم كما سيأتي- لأن اللولب قد يحدث معه الحمل. ثم إنه يمكن إزالته ، متى رغب الزوجان في ذلك، فيزول منعه للإنجاب.
جاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي : "إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء ، والخبراء في موضوع ( تنظيم النسل ) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .
وبناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب ، والحفاظ على النوع الإنساني ، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد ؛ لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشرعية، وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به، باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها :
قرر ما يلي :
أولاً : لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب .
ثانياً : يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل، أو المرأة ، وهو ما يعرف بالإعقام ، أو التعقيم ، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية .
ثالثاً : يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب ، بقصد المباعدة بين فترات الحمل ، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين ، عن تشاور بينهما وتراضٍ ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر ، وأن تكون الوسيلة مشروعة ، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم" انتهى من "مجلة مجمع الفقه" العدد 5ج1ص748.
والله أعلم.
تعليق