الحمد لله.
أولا:
حق الزوج على زوجته عظيم
حق الزوج على زوجته عظيم يقتضي الطاعة والاحترام والتوقير، فلا تخرج إلا بإذنه، ولا تدخل بيته أحدا إلا بإذنه، ولا تمتنع عن فراشه لغير عذر، وطاعته مقدمة على طاعة والديها.
وقد دل على هذا الحق نصوص كثيرة منها قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ النساء/34.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ رواه أبو داود (2140)، والترمذي (1159)، وابن ماجه (1853) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
ولفظ ابن ماجه: ... وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا؛ وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ: لَمْ تَمْنَعْهُ .
والقتب: ما يوضع فوق سنام البعير تحت الراكب.
وروى البخاري (3237)، ومسلم (1736) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ ، فَأَبَتْ ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا ؛ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ.
وروى الترمذي (359) عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ بْنِ المُصْطَلِقِ، قَالَ: "كَانَ يُقَالُ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ " وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وليُعلم أن جميع ما أمرت به الشريعة، ليس خارجا عن طاقة العباد ولا استطاعتهم، ولا هو مما يوقعهم في الضيق والحرج والمشقة . قال الله عز وجل : مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة/6 ، وقال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ الحج/77-78.
وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ التغابن/16
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم): دليلٌ على أنَّ من عَجَزَ عن فعل المأمور به كلِّه، وقدرَ على بعضه؛ فإنَّه يأتي بما أمكنه منه؛ وهذا مطرد في مسائل .." انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/271).
وقال العز ابن عبد السلام، رحمه الله: " (قاعدة) وهي أن من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه لقوله - سبحانه وتعالى -: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة: 286] وقوله - عليه السلام -: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.." انتهى من "قواعد الأحكام" (2/7).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " وقد تقرر في الشريعة أن الوجوب معلق باستطاعة العبد، كقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم.." انتهى من "درء التعارض"(1/53).
وقال أيضا: " والصواب: للمسلم أن يعلم أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وخير القرون القرن الذي بعث فيهم وأن أفضل الطرق والسبل إلى الله ما كان عليه هو وأصحابه ويعلم من ذلك أن على المؤمنين أن يتقوا الله بحسب اجتهادهم ووسعهم كما قال الله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وقال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها . وإن كثيرا من المؤمنين - المتقين أولياء الله - قد لا يحصل لهم من كمال العلم والإيمان ما حصل للصحابة فيتقي الله ما استطاع ويطيعه بحسب اجتهاده فلا بد أن يصدر منه خطأ إما في علومه وأقواله وإما في أعماله وأحواله ويثابون على طاعتهم ويغفر لهم خطاياهم؛ فإن الله تعالى قال: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير - إلى قوله - ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله تعالى: قد فعلت" انتهى من "مجموع الفتاوى"(11/14-15).
هل أي تقصير من الزوجة في حق زوجها يوجب الإثم؟
وعلى ذلك يقال: إن حق الرجل على زوجته، مع عِظمه ، وخطر موقعه : فإنه يمكن للمرأة تأديته، كغيره من الحقوق التي أوجبها الشرع، كحق والديها، وحق ولدها، بل وحق الله جل جلاله فوق ذلك كله . وكم من امرأة صالحة ، في القديم والحديث ، قامت بحق زوجها خير قيام، فأطاعت وأنابت، وحفظت زوجها في غيبته، وأعانته على تربية أولاده، مع قيامها بحق ربها، وفيها قال صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت رواه ابن حبان، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم(660).
ثم إن ما عجزت عنه من حق زوجها، أو غيره من الحقوق، فهو في محل العفو من رب العالمين، وأرحم الراحمين.
وما قصرت فيه، فليس بالضرورة أن تكون معذبة عليه؛ فلتبادر إلى علاج تقصيرها في جانب بإحسانها في غيره، وإن فرطت وقصرت مرة ، فلا تجعل ذلك لها عادة ولا ديدنا، حتى يفسد ما بينها وبين زوجها، بل تدفع بإحسانها، ما أساءت فيه، وبجدها واجتهادها، ما فرطت فيه .
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ رواه الترمذي (1987)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
ثانيا:
بيان ضعيف حديثين يستشهد بهما في حق الزوج على زوجته
ربما اعتمد القائل بأن المرأة لا يمكنها أداء حق زوجها بحديث أنس مرفوعا: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ – أي : تتفجر - بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ رواه الإمام أحمد "المسند"(20/65) وغيره.
أو بحديث أبي سعيد الخدري قال: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِابْنَةٍ لَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَذِهِ ابْنَتِى قَدْ أَبَتْ أَنْ تَزَوَّجَ . فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : (أَطِيعِى أَبَاكِ )، فَقَالَتْ : وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُخْبِرَنِى مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ .
قَالَ : حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَتْ لَهُ قُرْحَةٌ فَلَحِسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ .
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/556)، والنسائي في "السنن الكبرى" (3/283).
وهما حديثان لا يصحان، ويكثر استشهاد الوعاظ بهما.
وينظر بيان عدم صحتهما في جواب السؤال رقم:(151353).
فلا ينبغي أن تترك المرأة الزواج اعتمادا على ذلك، ولا خوفا من التقصير في حق الزوج، بل تنوي الخير، ويجتهد كل من الزوجين في أداء حق الآخر، ويستعينان بالله تعالى على ذلك.
وينظر في معرفة الحقوق الزوجية: جواب السؤال رقم:(10680).
وينظر أيضا للفائدة: جواب السؤال رقم:(118362)، ورقم:(40405).
والله أعلم.
تعليق