الحمد لله.
أولا:
ذهب الحنابلة في معتمد المذهب إلى أن من عليه فوائت: أنه يلزمه قضاؤها مرتبة، ما لم يخش خروج وقت اختيار الصلاة الحاضرة.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/146): " (ويجب) على مكلف لا مانع به (قضاء فائتة فأكثر) من الخمس (مرتبا) نصا. لحديث أحمد : أنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ قالوا: يا رسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلي. وكالمجموعتين. (ولو كثرت) الفوائت، كما لو قلت.
فإن ترك ترتيبها بلا عذر: لم تصح، لأنه شرط، كترتيب الركوع والسجود.
(إلا إذا خشي) ، إن رتب ، (فوات) صلاة (حاضرة) بخروج وقتها، فيقدمها ؛ لأنها آكد، وتركه [=أي: الترتيب بين الفوائت]: أيسر من ترك الصلاة في الوقت .
(أو) إلا إذا خشي (خروج وقت اختيار) لصلاة ذات وقتين ، فيصلي الحاضرة في وقتها المختار ؛ لأنه كالوقت الواحد في أنه لا يجوز التأخير إليه بلا عذر" انتهى.
وهذا الترتيب عندهم واجب، إلا لعذر.
قال في "كشاف القناع" (1/260):
" (ومن فاتته صلاة مفروضة فأكثر) من صلاة (لزمه قضاؤها) لحديث: من نام عن صلاة أو نسيها فليصل إذا ذكرها متفق عليه .
(مرتبا). نص عليه في مواضع ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ قالوا يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب رواه أحمد . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني أصلي ؛ وقد رأوه قضى الصلاتين مرتبا ، كما رأوه يقرأ قبل أن يركع ، ويركع قبل أن يسجد، ولوجوب الترتيب بين المجموعتين. ولأن القضاء يحكي الأداء .
(على الفور) لما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فليصلها إذا ذكرها ) ؛ فأمر بالصلاة عند الذكر ، والأمر للوجوب .
(إلا إذا حضر) من عليه فائتةٌ (لصلاة عيد) ، فيؤخر الفائتة حتى ينصرف من مصلاه ؛ لئلا يُقتدى به .
(ما لم يتضرر في بدنه أو ماله أو معيشة يحتاجها) ؛ فيسقط عنه الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر ؛ لحديث: لا ضرر ولا ضرار ، وقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج: 78] .
(ويجوز التأخير) أي: تأخير الفائتة (لغرض صحيح ، كانتظار رفقة أو جماعة للصلاة) ؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه لما فاتتهم صلاة الصبح ، وتحولوا من مكانهم، ثم صلى بهم الصبح . متفق عليه من حديث أبي هريرة . والظاهر أن منهم من فرغ من الوضوء قبل غيره" انتهى.
وعليه ؛ فلو كان عليك فوائت، ولم تقضها بين الظهر والعصر، بلا عذر، وصليت الحاضرة أول الوقت : لم تصح على المذهب.
ثانيا:
في المذهب رواية: أنه إذا كثرت الفوائت، جاز تقديم الحاضرة في أول وقتها، ولا يُحتاج إلى إعادتها.
قال ابن قدامة عن هذه الرواية: "وهذا أحسن وأصح، إن شاء الله تعالى" انتهى، من "المغني" (1/438).
ثالثا:
ذهب جماعة من الحنابلة إلى أن من ترك الصلاة عمدا ، ثم تاب ؛ لم يلزمه قضاء ما فات، ولا يصح منه.
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/443): " واختار الشيخ تقي الدين: أن تارك الصلاة عمدا ، إذا تاب : لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع. وكذا الصوم. قال ابن رجب في شرح البخاري: ووقع في كلام طائفة من أصحابنا المتقدمين: أنه لا يجزئ فعلها إذا تركها عمدا. منهم الجوزجاني، وأبو محمد البربهاري، وابن بطة" انتهى.
وهذا القول اختاره جماعة منهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال رحمه الله: " وقوله: يجب فوراً قضاء الفوائت، ظاهر كلام المؤلِّف: أنَّه لا فرق بين أن يدعها عمداً بلا عُذر، أو يدعها لعُذر.
وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم: أن قضاء الفوائت واجب، سواء تركها لعُذر أم لغير عُذر، أي: حتى المتعمِّد الذي تعمَّد إخراج الصَّلاة عن وقتها، يقال له: إنك آثم وعليك القضاء، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور أهل العلم.
والقول الثاني في المسألة: أنَّه إذا فاتت العبادة المؤقَّتة عن وقتها لعُذرٍ قُضيت، وإن فاتت لغير عُذرٍ فلا قضاء، ليس تخفيفاً عن المؤخِّر، ولكن تنكيلاً به وسُخطاً لفعله، وهناك فرق بين التخفيف وبين التنكيل والسُّخط، فنحن نقول لمن تركها عمداً: لا تقضِ؛ لأنك لو تقضي ألف مرَّة ما قَبِلَ اللَّهُ منك، حتى ولو تُبْتَ، لكن إذا تُبْتَ، فأحْسِن العملَ".
إلى أن قال رحمه الله بعد ذكر أدلة القولين:
" فالصَّواب: أن من ترك الصَّلاة عمداً ـ على القول بأنه لا يكفر ـ كما لو كان يصلِّي ويخلِّي، فإنه لا يقضيها، ولكن يجب عليه أن تكون هذه المخالفة دائماً نُصْبَ عينيه، وأن يُكثر من الطَّاعات والأعمال الصَّالحة، لعلَّها تُكفِّر ما حصل منه من إضاعة الوقت" انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 136- 139).
والذي ننصحك به إن كنت تركت صلاة أو صلوات بغير عذر، أن تبادر بالتوبة، وأن تعقد العزم على عدم تضييع الصلاة، فإن كانت صلوات يسيرة فاقضها، وإن كانت كثيرة، فأكثر من النوافل ما استطعت.
والله أعلم.
تعليق