الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم قول: الدنيا ليست حلوة.

381218

تاريخ النشر : 26-07-2022

المشاهدات : 14259

السؤال

هل قول: "الدنيا مش حلوة" من سب الدهر؟

ملخص الجواب

ثبت النهي عن سب الدهر والعلة من هذا النهي؛ هي أنّ هذا السب يشتمل على أحد المنكرين العظيمين؛ إما أن يكون بهذا السب ينسب السابّ حدوث الحوادث إلى الدهر، فيكون في هذا إشراك بالله تعالى، وإما أن يعتقد أن هذه الحوادث التي سب بها الدهر هي من تقدير الله تعالى، فيكون بذلك ذاما لله تعالى، نسأل الله العافية. وقول: "الدنيا مش حلوة" لا يظهر فيها علل النهي السابقة فلا حرج على من قال ذلك، أو ذم الدنيا، على وجه بيان حقارتها، وحقارة الانشغال بها عن مرضاة الله جل جلاله، على وجه التحسر على ما فاته من نصيبها!!

الحمد لله.

أولا:

النهي عن سب الدهر 

ثبت النهي عن سب الدهر كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ  رواه البخاري (4826)، ومسلم (2246)، وفي رواية لمسلم:  لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ .

والعلة من هذا النهي؛ هي أنّ هذا السب يشتمل على أحد المنكرين العظيمين؛ إما أن يكون بهذا السب ينسب السابّ حدوث الحوادث إلى الدهر، فيكون في هذا إشراك بالله تعالى، وإما أن يعتقد أن هذه الحوادث التي سب بها الدهر هي من تقدير الله تعالى، فيكون بذلك ذاما لله تعالى، نسأل الله العافية.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" قال الشافعي تأويل ذلك - والله أعلم - أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر وتذمه عند المصائب التي تنزل بهم من موت، أو هدم، أو ذهاب مال، أو غير ذلك من المصائب، وتقول: أصابتنا قوارع الدهر وأبادهم الدهر، وأنا عليهم الدهر، والليل والنهار يفعل ذلك بهم، فيذمون الدهر بذلك ويسبونه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر) على أنه الذي يفعل بكم ذلك، فإنكم إذا سببتم فاعل ذلك وقع سبكم على الله - عز وجل - فهو الفاعل بذلك كله، وهو فاعل الأشياء ولا شيء إلا ما شاء الله العلي العظيم" انتهى من"الاستذكار" (27/310).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما. إما سبه لله، أو الشرك به.

فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك، وهو يسب من فعله، فقد سب الله " انتهى من "زاد المعاد"(2/324).

ثانيا: 

حكم قول: الدنيا مش حلوة

مقولة: "الدنيا مش حلوة" لا يظهر فيها علل النهي السابقة، فهو لا ينسب للدنيا تصرفا يذمّها من أجله، وإنما مجرد وصف لما يشعر به الإنسان تجاه هذه الحياة؛ لكن ينظر إلى مقصد القائل ودافعه لهذا القول؛ فإن قالها تسخطا وعدم صبر على أقدار الله تعالى فيها، فهذا منهي عنه كما هو معلوم لكل مسلم، وراجعي للأهمية جواب السؤال رقم:(259701).

وأما إذا كان القصد من هذا القول؛ هو تهوين شأن الدنيا في القلب، وأن الإنسان فيها في تعب، وأن الراحة والحياة الحقيقية الجميلة، إنما في الجنة، فنفي الجمال عنها نسبي مقارنة بحياة الجنة؛ فهذا المعنى مشروع.

كما في قوله تعالى:

(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) النساء/77.

وقد تواتر ذم الدنيا في النصوص الشرعية، وأقوال الصالحين، وذم التعلق بها، وذم حالها، وحال المتعلقين بها، والمنشغلين بها عن طاعة الله والدار الآخرة.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:  الدُّنيَا مَلعُونَةٌ ، مَلعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلَّا ذِكرُ اللَّهِ ، وَمَا وَالَاهُ ، وَعَالِمٌ أَوَ مُتَعَلِّمٌ رواه الترمذي (2322) وقال : حسن غريب ، وحسنه ابن القيم في عدة الصابرين (260) والألباني في "الصحيحة" (2797).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ:  أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟  فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ رواه مسلم (2957).

فالحاصل؛ أنه لا حرج على من قال ذلك، أو ذم الدنيا، على وجه بيان حقارتها، وحقارة الانشغال بها عن مرضاة الله جل جلاله، على وجه التحسر على ما فاته من نصيبها!!

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب