الحمد لله.
يجوز الاتفاق مع الطبيب على العلاج، وأنه لا يستحق شيئا إلا إذا حصل الشفاء.
وإلى ذلك ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وجعلوه من باب الجعالة، لا من باب الإجارة؛ لأن العمل لا ينضبط، وليس للعلاج مدة معلومة، والجعالة يُتسامح فيها ما لا يتسامح في الإجارة.
ويدل على الجواز ما روى البخاري (2276)، ومسلم (2201) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قال في "كشاف القناع" (4/27): "وإن شارطه على البُرء، فهي جعالة، ولا يستحق شيئا من أجرة حتى يوجد البرء، ذكره في الإنصاف" انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (5/400) في شأن الكحال: " وقال ابن أبي موسى: لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء؛ لأن أبا سعيد حين رقى الرجل، شارطه على البرء. والصحيح إن شاء الله أن هذا يجوز، لكن يكون جعالة لا إجارة، فإن الإجارة لا بد فيها من مدة، أو عمل معلوم، فأما الجعالة، فتجوز على عمل مجهول، كرد اللقطة والآبق، وحديث أبي سعيد في الرقية إنما كان جعالة، فيجوز هاهنا مثله" انتهى.
وقال في (5/401): " فأما إن شارطه على البرء، فإنه يكون جعالة، فلا يستحق شيئا حتى يوجد البرء، سواء وجد قريبا أو بعيدا...
ويجوز أن يستأجر طبيبا ليداويه. والكلام فيه كالكلام في الكحال، سواء، إلا أنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب؛ لأن ذلك إنما جاز في الكحال على خلاف الأصل، للحاجة إليه، وجري العادة به، فلم يوجد ذلك المعنى هاهنا، فثبت الحكم فيه على وفق الأصل" انتهى.
وفي "الشرح الصغير" (4/75): " (كمشارطة طبيب على البرء): فلا يستحق الأجرة إلا بحصوله" انتهى.
ومنع ذلك الظاهرية والحنفية؛ لأن البرء بيد الله لا بيد أحد.
وينظر: "المحلي" (7/22)، "الموسوعة الفقهية" (1/300).
والله أعلم.
تعليق