الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم رجوع البائع عن الهدية الترويجية

385767

تاريخ النشر : 21-12-2022

المشاهدات : 3761

السؤال

أردت شراء 2 كيلو عسل من بائع، وكان الاتفاق توصيل البضاعة من الباب إلى الباب بسعر ثابت، وقلت له: لن أدفع أية رسوم توصيل إضافية، وبعدها تم التفاوض على السعر، ووافق البائع على خفض السعر، وعرض أنه سيعطيني عينة مجانية ربع كيلو عسل من نوع آخر، فبعد هذا العرض قمت بالموافقة على الشراء، وأكدت عليه أن نوع هذه البيعة هو من الباب إلى الباب، واشترطت ضرورة الحصول على العينة المجانية؛ لأنني أريد أن أسوقها لتجار آخرين، والاستفادة منها، ووافق، وقال: حاضر، ثم بعد ذلك قمت بدفع جزء من المبلغ له، وقلت له: سأقوم بدفع الباقي عند وصول البضاعة إلي باب بيتي. وما حدث: أولا البضاعة لم يتم توصيلها إلي بيتي بنفس القيمة الإجمالية التي تم الاتفاق عليها، حيث فرضت عليها رسوم جمركية وضرائب عند وصولها إلى بلدتي، وعند إعلام البائع بذلك، قال: تلك رسوم خاصة ببلدك، وليس لي علاقة بها، وقال: إنه دائما يقوم بالتوصيل إلى هذه البلدة بدون وجود تلك الرسوم الزائدة، وأن هذه الرسوم لم تكن مفروضة من قبل على تلك الكمية الصغيرة من البضائع، وإنما هذه قوانين جديدة، وهي خاصة ببلدتك، فقلت له: إنها كانت مسؤوليتك أن تستعلم، ومسؤوليتك أن توصل البضاعة بالسعر الثابت المتفق عليه إلى باب بيتي، حيث إن نوع هذه المعاملة هو من الباب إلى الباب، وقد نبهت عليك أنني لن أدفع أية رسوم إضافية، فلم يقتنع بحجة أن هذه رسوم جمرك، وليست رسوم توصيل، وبحجة أنه قد تكرم علي وأعطاني سعرا مخفضا جدا لهذه الصفقة، فهل هذا يحق له؟ ثانيا: العينة المجانية لم تصلني كما هو متفق عليه، فقلت له: سأقتطع ما يعادل قيمتها من إجمالي المبلغ المتبقي؛ لأنك لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه قبل الدفع، فقال: لي تلك كانت هدية، ولي حرية تغيير رأيي.

الجواب

الحمد لله.

اولا:

الذي يظهر في تكلفة الجمرك أنه إذا تبين أن هذه الرسوم فرضت حديثا، وأن البائع صادق في كونه لم يعلم بها، أنها لا تلزمه؛ لأنه لا تدخل في رسوم التوصيل المعتادة التي جرى عليها التعاقد، أما إن كانت قبل العقد بمدة بحيث يغلب على الظن علمه بها فإنها تلزمه.

ثانيا:

العينة المجانية تكيف شرعا على أحد أمرين:

1-أنها هبة من البائع، فإن رجع فيها البائع قبل قبضها من المشتري: جاز له الرجوع ولا إثم عليه عند الجمهور من المذاهب الأربعة. ويأثم عند بعض أهل العلم ممن أوجب الوفاء بالوعد.

قال في "كشاف القناع" (4/301): " (وتلزم) الهبة (بقبضها بإذن واهب)، و (لا) تلزم (قبلهما) أي: قبل القبض بإذن الواهب (ولو) كانت الهبة (في غير مكيل ونحوه) ، لما روى مالك عن عائشة : " أن أبا بكر نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية ، فلما مرض قال: يا بنية كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا ، ولو كنت جذذتيه أو قبضتيه كان ذلك، فإنما هو اليوم مال وارث ؛ فاقتسموه على كتاب الله تعالى " وروى ابن عيينة عن عمر نحوه.

وروي أيضا نحوه عن عثمان وابن عمر وابن عباس ، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة ...

(و) لواهب أيضا الرجوع في (هبة قبل قبض) لأن عقد الهبة لم يتم فلا يدخل تحت المنع " انتهى.

2-أو تكيف على أنها جزء من المبيع، يلتحق به في عامة أحكامه. وهو الأظهر لنا إن شاء الله.

وعليه ؛ فيجب على البائع إعطاؤها للمشتري.

قال الدكتور خالد المصلح في "الحوافز التسويقية" ص65: "الهدايا الترويجية تحتمل التخريجات التالية:

التخريج الأول: أن هذه الهدية الترويجية وعد بالهبة، فالثمن المبذول عوض عن السلعة دون الهدية. وذلك أن هذه الهدية لا أثر لها على الثمن مطلقاً، والمقصود منها التشجيع على الشراء.

قال ابن قدامة : (ولا يصح تعليق الهبة بشرط؛ لأنها تمليك لمعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع، فإن علقها على شرط، كقول النبي - - صلى الله عليه وسلم - -: (إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك)، كان وعداً).

ما يترتب على هذا التخريج:

أولاً: جواز هذا النوع من الحوافز الترغيبية؛ لأن الأصل في المعاملات الحلّ.

ثانياً: استحباب قبول هذا النوع من الهدايا الترويجية؛ لعموم الأدلة الحاثّة على قبول الهدية.

ثالثاً: أنه ليس للواهب الرجوع في هبته بعد قبض المشتري، ولو انفسخ العقد؛ لعموم النهي عن الرجوع في الهبة.

رابعاً: يلزم البائع إعطاء المشتري الهدية الموعودة، بناء على القول بوجوب الوفاء بالوعد...

التخريج الثاني: أن هذه الهدية الترويجية جزء من المبيع، فالثمن المبذول عوض عن السلعة والهدية جميعاً، فالمشتري بذل الثمن ليحصل السلعة والهدية، فالعقد وقع عليهما بثمن واحد.

قال في تهذيب الفروق: (الهبة المقارنة للبيع: إنما هي مجرد تسمية، فإذا قال شخص لآخر: أشتري منك دارك بمائة، على أن تهبني ثوبك، ففعل؛ فالدار والثوب مبيعان معاً بمائة).

نوقش هذا التخريج بأمرين:

أن الهدية الترويجية غير مقصودة بالعقد، بل هي تابعة، ولذلك فإن كلاً من البائع والمشتري يقصد بهذا العقد السلعة، لا الهدية، وإنما جاءت الهدية لأجل الترغيب في الشراء والتشجيع عليه أو المكافأة بها، فليست الهدية جزءاً من المبيع في حقيقة الأمر.

أن الهدية الترويجية ليس لها أثر على الثمن بالكلية، فثمن السلعة ثابت لم يتغير بوجود الهدية، فدل ذلك على أنها ليست جزءاً من المبيع، وإلا لكان لها أثر في الثمن".

وقال ص85: " بالنظر إلى هذه التخريجات الفقهية يظهر- والعلم عند الله - أن أقربها إلى الصواب تخريج هذا النوع من الهدايا الترويجية على أنها هبة محضة؛ لأن هذا هو أقرب التوصيفات الفقهية لمقصود البائع والمشتري، ومعلوم أن البائع يبذل هذه الهدايا ليرغب في الشراء ويشجع عليه، وأن المشتري يقبلها على أنها كذلك، لا على أنها جزء من المبيع، أو أن لها أثراً في الثمن، ولذلك تجد المشتري لا يحتاط فيها كما يفعل في السلعة المقصودة بالعقد، إذ إن هذه الهدية أمر تابع زائد.

أما تخريجها على أنها زيادة في المبيع تلتحق بالعقد، فهذا تخريج قوي جيد، لاسيما إذا كانت الهدية الترويجية من جنس المبيع، كأن يكون المبيع كتاباً، والهدية نسخة أخرى من نفس الكتاب، أو زيادة في كمية وقدر البيع. أما إن كانت الهدية الترويجية من غير جنس المبيع، كأن يكون المبيع كتاباً، والهدية قلماً، فإنها تخرّج على أنها هبة محضة " انتهى.

فعلى القول بأن هذه الهدية هبة فلا حق لك في اقتطاع مقابلها من الثمن، سواء قلنا يأثم الواعد بإخلاف الوعد أم لا؛ لأن القول بجواز الرجوع في الهبة قبل القبض وألا إثم في إخلاف الوعد هو قول الجماهير من أهل العلم. فإن كنت مصرا على أخذ حقك فلا بد من الرجوع للقضاء، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.

وعلى القول بأن هذه الهدية جزء من المبيع، فإذا أبى البائع أن يرسلها لك، جاز أن تخصم من الثمن بقدرها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب