الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل أبو بكر الصديق أعلم من معاذ وسائر الصحابة؟

386049

تاريخ النشر : 14-04-2023

المشاهدات : 11477

السؤال

سمعت قول ابن تيمية بأن أعلم الصحابة، هو: أبو بكر رضي الله عنه، ورأيت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناه بأن أعلم الأمة بين الحلال والحرام هو: معاذ بن جبل، فكيف نجمع بين القولين؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

أجمع أهل السنة والجماعة على أن أفضل الصحابة وأعلمهم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ثم يليه في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وَرَأْسُ الْفَضَائِلِ الْعِلْمُ؛ وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ مَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَالدَّلَائِلُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ، وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/408) .

وقال أيضا : "أَبو بَكْرٍ وَعُمَر أَعْلَمُ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/410) .

والأدلة على ذلك كثيرة ، وننقل هنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يرد على من زعم أن علي بن أبي طالب أعلم من أبي بكر رضي الله عنهما ، وقد تضمن كلامه بعض الأدلة على تقديم أبي بكر وعمر على كل من عداهما من الصحابة في الفضل والعلم .

قال رحمه الله :

" لم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين : إن عليا أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر، بل ولا من أبي بكر وحده، ومدعي الإجماع على ذلك من أجهل الناس وأكذبهم، بل ذكر غير واحد من العلماء إجماع العلماء على أن أبا بكر الصديق أعلم من علي ، منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروزي ، أحد أئمة السنة من أصحاب الشافعي ، ذكر في كتابه "تقويم الأدلة على الإمام" إجماع علماء السنة على أن أبا بكر أعلم من علي ، وما علمت أحدا من الأئمة المشهورين ينازع في ذلك، وكيف وأبو بكر الصديق كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهى ويقضي ويخطب ، كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو وأبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ، ولما هاجرا جميعا ويوم حنين ، وغير ذلك من المشاهد ، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يقره على ذلك ، ويرضى بما يقول ، ولم تكن هذه المرتبة لغيره.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه يقدم في الشورى أبا بكر وعمر ، فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول عليه السلام على سائر أصحابه ، مثل قصة مشاورته في أسرى بدر ، فأول من تكلم في ذلك أبو بكر وعمر ، وكذلك غير ذلك، وقد روي في الحديث أنه قال لهما: [ إذا اتفقتما على أمر لم أخالفكما] ولهذا كان قولهما حجة في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وهذا بخلاف قول عثمان وعلي.

وفي السنن: عنه أنه قال: [اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ] ولم يجعل هذا لغيرهما ...

وفي صحيح مسلم: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفر فقال: [إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا].

وقد ثبت عن ابن عباس أنه كان يفتي من كتاب الله ، فإن لم يجد فبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان وعلي، وابن عباس حبر الأمة وأعلم الصحابة وأفقههم في زمانه ، وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدما لقولهما على قول غيرهما من الصحابة…

وأيضا : فأبو بكر وعمر كان اختصاصهما بالنبي صلى الله عليه وسلم فوق اختصاص غيرهما، وأبو بكر أكثر اختصاصا فإنه كان يسمر عنده عامة الليل ، يحدثه في العلم والدين ومصالح المسلمين، كما روى أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معه...

وكثرة الاختصاص والصحبة مع كمال المودة والائتلاف والمحبة والمشاركة في العلم والدين تقتضي أنهما أحق بذلك من غيرهما، وهذا ظاهر بين لمن له خبرة بأحوال القوم.

أما الصديق فإنه مع قيامه بأمور من العلم والفقه عجز عنها غيره حتى بينها لهم لم يحفظ له قول مخالف نصا ، وهذا يدل على غاية البراعة.

وأما غيره فحفظت له أقوال كثيرة خالفت النص لكن تلك النصوص لم تبلغهم، والذي وجد من موافقة عمر للنصوص أكثر من موافقة علي، وهذا يعرفه من عرف مسائل العلم وأقوال العلماء فيها ...

وأيضا : فإن الصديق استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة التي هي عمود الإسلام ، وعلى إقامة المناسك التي ليس في مسائل العبادات أشكل منها، وأقام المناسك قبل أن يحج النبي صلى الله عليه وسلم فنادى: [أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان] فأردفه بعلي بن أبي طالب لينبذ العهد إلى المشركين فلما لحقه قال : أميرا أو مأمورا ؟ قال: بل مأمورا ، فأمَّر أبا بكر على علي بن أبي طالب ...

وفي الصحيحين: عن أبي سعيد قال: وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأيضا : فالصحابة في زمن أبي بكر لم يكونوا يتنازعون في مسألة إلا فصلها بينهم أبو بكر وارتفع النزاع، فلا يعرف بينهم في زمانه مسألة واحدة تنازعوا فيها إلا ارتفع النزاع بينهم بسببه، كتنازعهم في وفاته صلى الله عليه وسلم ومدفنه، وفي ميراثه، وفي تجهيز جيش أسامة، وقتال مانعي الزكاة وغير ذلك من المسائل الكبار، بل كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم ويقومهم ويبين لهم ما تزول معه الشبهة، فلم يكونوا معه يختلفون ، وبعده لم يبلغ علم أحد وكماله علم أبي بكر وكماله ، فصاروا يتنازعون في بعض المسائل ، كما تنازعوا في الجد والإخوة، وفي الحرام، وفي الطلاق الثلاث ، وفي غير ذلك من المسائل المعروفة مما لم يكونوا يتنازعون فيه على عهد أبي بكر.

وكانوا يخالفون عمر وعثمان وعليا في كثير من أقوالهم ولم يعرف أنهم خالفوا أبا بكر في شيء مما كان يفتي فيه ويقضي، وهذا يدل على غاية العلم، وقام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام الإسلام فلم يخل بشيء منه ، بل دخل الناس من الباب الذي خرجوا منه مع كثرة المخالفين من المرتدين وغيرهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/398- 403) .

وقد نقل الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم كلام شيخ الإسلام في كتابه "أبو بكر الصديق أفضل الأمة وأحقهم بالخلافة" وذكر أدلة ذلك من السنة النبوية .

ثانيا :

أما الحديث المشار إليه في السؤال ، فقد رواه أحمد في المسند (12927)، والترمذي (4159) عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيٌّ ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ) وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وقال محققو المسند : إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" أن للحديث علة فقال :

"( تَنْبِيهٌ ) : أَوْرَدَ التِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّانَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَنْ خَالِد الْحَذَّاء بِهَذَا الْإِسْنَاد مُطَوَّلًا وَأَوَّله " أَرْحَم أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْر , وَأَشَدّهمْ فِي أَمْر اللَّه عُمَر , وَأَصْدَقهمْ حَيَاء عُثْمَان , وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّه أُبَيٌّ , وَأَفْرَضهمْ زَيْد , وَأَعْلَمهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام مُعَاذ , أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّة أَمِينًا " الْحَدِيث وَإِسْنَاده صَحِيح , إِلَّا أَنَّ الْحُفَّاظ قَالُوا : إِنَّ الصَّوَاب فِي أَوَّله الْإِرْسَال وَالْمَوْصُول مِنْهُ مَا اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ , وَاَللَّه أَعْلَم" انتهى .

والذي اقتصر عليه البخاري هو ما يتعلق بأبي عبيدة فقط ، وهو كونه أمين هذه الأمة ، فإنه رواه البخاري (3744)، ومسلم (2419) .

وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (4/410) وقال : "الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ ذَكَرَ مُعَاذٍ وَزَيْدٍ يُضَعِّفُهُ بَعْضُهُمْ ، وَيُحَسِّنُهُ بَعْضُهُمْ" انتهى.

فإن كان الحديث ضعيفا فلا إشكال حينئذ.

وإن كان الحديث صحيحا أو حسنا، فالجمع بينه وبين الأدلة الدالة على أن أبا بكر أعلم الصحابة من وجهين:

الأول :

أن يقال : إن حديث معاذ عام ، ولا مانع أن يخص العام بدليل صحيح دالٍ على التخصيص ، فيقال : إن معاذا أعلم الأمة بالحلال والحرام إلا من ثبت بالأدلة الصحيحة أنه أعلم من معاذ، وتخصيص العام واقع كثيرا ، كما هو معلوم.

انظر : "الإحكام" للآمدي (4/294)، "التقرير والتحبير" (1/242).

قال أبو محمد ابن حزم، رحمه الله في رده دعوى الرافضة أن عليا كان أعلم الصحابة، رضي الله عنهم جميعا، وتقريره لأعلمية أبي بكر الصديق، رضي الله عنه:

" كذب هَذَا الْقَائِل؛ وَإِنَّمَا يعرف علم الصَّحَابِيّ لأحد وَجْهَيْن، لَا ثَالِث لَهما:

أَحدهمَا: كَثْرَة رِوَايَته وفتاويه.

وَالثَّانِي: كَثْرَة اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ. فَمن الْمحَال الْبَاطِل أَن يسْتَعْمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لَا علم لَهُ، وَهَذِه أكبر شَهَادَات على الْعلم وسعته.

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك؛ فَوَجَدنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ولي أَبَا بكر الصَّلَاة بِحَضْرَتِهِ طول علته، وَجَمِيع أكَابِر الصَّحَابَة حُضُور، كعلي وَعمر وَابْن مَسْعُود وَأبي وَغَيرهم، فآثره بذلك على جَمِيعهم .. فَوَجَبَ ضَرُورَة أَن نعلم أَن أَبَا بكر أعلم النَّاس بِالصَّلَاةِ وشرائعهما، وَأعلم الْمَذْكُورين بهَا، وَهِي عَمُود الدّين.

ووجدناه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتَعْملهُ على الصَّدقَات، فَوَجَبَ ضَرُورَة أَن عِنْده من علم الصَّدقَات، كَالَّذي عِنْد غَيره من عُلَمَاء الصَّحَابَة، لَا أقل، وَرُبمَا كَانَ أَكثر، إِذْ قد اسْتعْمل عَلَيْهِ السَّلَام أَيْضا عَلَيْهَا غَيره، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يسْتَعْمل إِلَّا عَالما بِمَا اسْتَعْملهُ عَلَيْهِ. وَالزَّكَاة ركن من أَرْكَان الدّين بعد الصَّلَاة ...

وَوجدنَاه عَلَيْهِ السَّلَام قد اسْتعْمل أَبَا بكر على الْحَج؛ فصح ضَرُورَة أَنه أعلم من جَمِيع الصَّحَابَة بِالْحَجِّ. وَهَذِه دعائم الْإِسْلَام.

ثمَّ وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام قد اسْتَعْملهُ على الْبعُوث، فصح أَن عِنْده من أَحْكَام الْجِهَاد، مثل مَا عِنْد سَائِر من اسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبعُوث فِي الْجِهَاد، إِذْ لَا يسْتَعْمل عَلَيْهِ السَّلَام على الْعَمَل إِلَّا عَالما بِهِ. فَعِنْدَ أبي بكر من الْجِهَاد من الْعلم بِهِ كَالَّذي عِنْد عَليّ وَسَائِر أُمَرَاء الْبعُوث لَا أَكثر وَلَا أقل.

فَإذْ قد صَحَّ التَّقَدُّم لأبي بكر على عَليّ وَغَيره فِي علم الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج، وساواه فِي علم الْجِهَاد؛ فَهَذِهِ عُمْدَة الْعلم.

ثمَّ وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام قد ألزم نَفسه فِي جُلُوسه ومرآته وظعنه وإقامته أَبَا بكر، مشَاهد أَحْكَامه عَلَيْهِ السَّلَام وفتاويه أَكثر من مُشَاهدَة عَليّ لَهَا؛ فصح ضَرُورَة أَنه أعلم بهَا.

فَهَل بقيت من الْعلم بَقِيَّة إِلَّا وَأَبُو بكر الْمُتَقَدّم فِيهَا الَّذِي لَا يلْحق، أَو المشارك الَّذِي لَا يسْبق؟!

فبطلت دَعوَاهُم فِي الْعلم، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.". انتهى، مختصرا من "الفصل في الملل والنحل" (4/107-108).

الجواب الثاني :

أن اللغة العربية تتسع أن يقال لمن برع في علم من العلوم : إنه أعلم الناس في ذلك ، وإن كان يوجد من هو مثله أو من هو أعلم منه ، فيكون تقدير الكلام : إنه من أعلم الناس .

وقد بَيَّن ذلك الإمام الطحاوي رحمه الله ، فقال :

"باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام في قوله : (أقرؤهم - يعني : أمته - لكتاب الله أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) .

ثم ذكر حديث أنس المتقدم. ثم قال:

فسأل سائل عن المراد بما ذكر به كل واحد من أبي ، وزيد ، ومعاذ في هذا الحديث ، وهل يوجب ذلك له أن يكون في معناه الذي ذكر به فوق الخلفاء الراشدين المهديين ومن سواهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين ؟

فكان جوابنا له في ذلك: أن من جلت رتبته في معنى من المعاني جاز أن يقال : إنه أفضل الناس في ذلك المعنى ، وإن كان فيهم من هو مثله أو من هو فوقه ، ومن ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قاله لعلي : إنه يقتله أشقاها يريد البرية .

...

ونحن نعلم أن ابن ملجم قد كان من أهل التوحيد ، وإنما الذي كان منه حتى عاد به مطْلِقًا عليه أنه أشقى الناس عظيمُ ما كان منه ، وجلالةُ جرمه ، وفتقُه في الإسلام ما فتقه ، ونحن نعلم مع ذلك أن أشقى منه من لم يوحد الله ساعة قط ، وجعل لله ولدا ولقي الله على ذلك ، وهو في الشقوة فوق ابن ملجم .

ومن ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج الذين منهم ابن ملجم

عن أنس عن النبي عليه السلام في وصفه الخوارج بالصلاة والصوم ، ثم قال : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، شرار الخلق والخليقة . وقد علمنا أن من نحل لله ولدا ، أو أشرك به ، وقتل أنبياءه وكذب رسله شر من هؤلاء ؛ لمَّا عظم ما كان منهم وجَلَّ جاز بذلك أن يقال : هم شر الخلق والخليقة ، وجاز لمن تفرد منهم بما تفرد به في علي أن يقال : هو أشقى البرية ، وإن كان فيها من هو في الشقوة مثله ، أو من هو في الشقوة فوقه ، فمثل ذلك ما ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل واحد من أبي ، ومن زيد ، ومن معاذ في الحديث الذي رويناه في صدر هذا الباب ، جاز إطلاق ذلك له على ما في الحديث ؛ لجلالة مقداره في المعنى الذي أضيف إليه فيه ؛ ولعلو رتبته فيه، وإن كان قد يجوز أن يكون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو في ذلك المعنى مثله ، ومن هو فوقه في ذلك المعنى ؛ وهذا لسعة اللغة ، ولعلم المخاطبين بذلك مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما خاطبهم به فيه" انتهى من "مشكل الآثار" (1/350- 354) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب