الحمد لله.
الحديث رواه الإمام أحمد في "المسند" (40/214)، وأبو داود (1497)، و(4909)، وغيرهما: من حديث حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " سَرَقَهَا سَارِقٌ، فَدَعَتْ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ).
قال أبو داود: " لَا تُسَبِّخِي: أَيْ لَا تُخَفِّفِي عنه" انتهى.
وهذا إسناد رواته ثقات؛ إلا أنّ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِتٍ، وصفه عدد من الأئمة بالتدليس.
قال ابن حبان رحمه الله تعالى:
"حبيب بن أبي ثابت مولى بنى أسد، كنيته أبو يحيى، عداده في أهل الكوفة... كان مدلّسا" انتهى من"الثقات"(4/137).
وقال ابن خزيمة رحمه الله تعالى، عقب حديث في "صحيحه" (1/229):
"حبيب بن أبي ثابت مدلس ..." انتهى.
وقال في كتاب "التوحيد" (1/87):
"حبيب بن أبي ثابت: أيضا مدلس، لم يعلم أنه سمعه من عطاء.
سمعت إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد يقول: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش قال: قال حبيب بن أبي ثابت: لو حدثني رجل عنك بحديث لم أبال أن أرويه عنك. يريد لم أبال أن أدلسه" انتهى.
وقال العقيلي رحمه الله تعالى:
"حبيب بن أبي ثابت وهو حبيب بن قيس كوفي.
حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: سمعت يحيى ابن سعيد، يقول: حبيب بن أبي ثابت عن عطاء ليست بمحفوظة...
... عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة، قالت: (سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبخي عنه) يعني: لا تخففي.
وله عن عطاء غير حديث، لا يتابع عليه..." انتهى من"الضعفاء الكبير"(1/263).
ولهذا ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين، وهم: " من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم " انتهى من "طبقات المدلسين" (ص 13).
فقال:
"حبيب بن أبي ثابت الكوفي، تابعي مشهور، يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الاعمش عنه أنه كان يقول: لو أن رجلا حدثني عنك ما باليت ان رويته عنك. يعني: وأسقطته من الوسط" انتهى من"طبقات المدلسين" (ص37–38).
ومَنْ شأنُه كذلك؛ فإنه لا يقبل منه ما أخبر به عن شيخه بصيغة "عن"، ولا بدّ من التصريح بالتحديث، كأن يقول "حدثنا" أو "أخبرنا" مما يدل على سماعه لهذا الحديث من شيخه.
وبهذا ضعّفه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في "ضعيف أبي داود" (2/90).
لكنه علّق بعد ذلك في هامش الصفحة بقوله:
"ينقل إلى "الصحيح "؛ لأنه ترجح عندي أخيرا أنه قليل التدليس (يعني: حبيبا)، ولذلك مشّى أصحاب "الصحاح " عنعنته؛ فهو حجة ما لم تظهر في حديثه علة" انتهى.
لكن العلة فيه كون بعض العلماء نص على تضعيف روايته عن عطاء كما سبق في كلام العقيلي وابن خزيمة، وهذا الحديث من ضمن رواياته عن عطاء.
وله إسناد آخر عند الإمام أحمد في "المسند" (43/7)، قال:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " سُرِقَتْ مِخْنَقَتِي، فَدَعَوْتُ عَلَى صَاحِبِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَبِّخِي عَلَيْهِ، دَعِيهِ بِذَنْبِهِ).
وهذا إسناد ضعيف؛ لأن إِبْرَاهِيمَ بْن مُهَاجِرٍ، مضّعف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي، عن: كبار التابعين.
قال سفيان وابن مهدي وأحمد: لا بأس به، وقال أبو حاتم: منكر حديث، وقال ابن المديني والنسائي: ليس بالقوي" انتهى من"المغني"(1/27).
فما يتفرد به ليس بحجة.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" سمعت أبي يقول: إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي، هو وحصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض، محلهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم ولا يحتج بحديثهم. قلت لأبي: ما معنى لا يحتج بحديثهم؟ قال كانوا قوما لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون؛ ترى في أحاديثهم اضطرابا ما شئت" انتهى من "الجرح والتعديل" (2/133).
وإبراهيم النخعي لم يثبت سماعه من عائشة رضي الله عنها.
وله إسناد آخر عند الطبراني في "المعجم الاوسط" (4/184)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ قَالَ: حدثنا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ قَالَ: حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهُ سُرِقَ لَهَا مَتَاعٌ، فَسَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْعُو، فَقَالَ: (لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ).
ثم قال عقبه: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُجَاهِدٍ إِلَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، وَلَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ إِلَّا أَبُو عَوَانَةَ، وَلَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ إِلَّا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ " انتهى.
وفي إسناده هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" هشام بن عبيد الله الرازي، عن: مالك وخلق.
قال ابن حبان: كثرت مخالفته للأثبات فبطل الاحتجاج به...
وأما أبو حاتم فقال: صدوق، ما رأيت أحدا أعظم ولا أجل قدرا عند أهل بلده منه، ومن أبي مسهر بدمشق.
قلت: كانا إمامين في السنة" انتهى من"المغني في الضعفاء"(2/711).
وجاء في "سؤالات البرذعي " ضمن كتاب "أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية" (2/ 757):
" حدثنا إسحاق بن موسى الجرجاني، أخبرنا أبو بكر الأعين، قَال: سألت أحمد بن حنبل: أكتب عن هشام بن عبيد الله؟ فقال: لا، ولا كرامة" انتهى.
وفي إسناده أيضا: علي بن سعيد الرازي؛ وثّقه غير واحد، لكن الدارقطني ضعّفه، حيث قال:
" ليس في حديثه بذاك ...
حدّث بأحاديث لم يُتابَع عليها، ثم قال: في نفسي منه، وقد تكلم فيه أصحابنا بمصر، وأشار بيده، وقال: هو كذا وكذا. كأنه ليس هو بثقة " انتهى. من " سؤالات حمزة بن يوسف السهمي" (ص 244-245).
ووصفه الخليلي بأنه صاحب غرائب.
فقال أبو يعلى الخليلي رحمه الله تعالى:
" علي بن سعيد الرازي الحافظ، يعرف بعليك؛ حافظ، متقن، دخل مصر، سمع منه سليمان بن أحمد الطبراني الحافظ وأقرانه، لكنه دون النسائي، صاحب غرائب" انتهى من "الإرشاد" (1/ 437).
واضطرب فيه الهيثمي فمرة ضعّفه، ومرة ليّنه، ومرة حسّن حديثه، كما في "مجمع الزوائد".
وأشار الحافظ ابن حجر إلى أن له أوهاما، كما في قوله:
" حديث: ( أن خصمين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى كل واحد منهما بالشهود، فأسهم بينهما، وقضى لمن خرج له السهم ):
أبو داود في "المراسيل" عن سعيد بن المسيب، نحوه. ووصله الطبراني في "الأوسط" بذكر أبي هريرة فيه، وفيه شيخه علي بن سعيد الرازي، وهو من أوهامه " انتهى من "التلخيص الحبير" (6 /3253).
فتفردا بهذه الرواية، وهما ممن لا يحتمل تفردهما؛ لما صفا به من الوهم.
فالحاصل؛ أنه هذا الحديث لا يُعلَم له إسناد ثابت.
والله أعلم.
تعليق