الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

معنى حديث: (وَمَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ)

386700

تاريخ النشر : 17-10-2022

المشاهدات : 9902

السؤال

روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال : (إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه) رواه الترمذي (3799)، وصححه الألباني، فما المقصود بتصديق ابن مسعود رضي الله عنه، هل نصدقه في كل شيء يقوله من تفسير آيات وأقوال .... الخ، أم شيء معين؟

ملخص الجواب

الحديث الذي رواه الترمذي وفيه (.... وَمَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ) هذا الحديث يحث على الاقتداء بابن مسعود رضي الله عنه في جميع أمور الدين، رواية ودراية، نقلا، وفهما؛ فرضي الله عنه وأرضاه. وينظر للأهمية تفصيل ذلك في الجواب المطول

الجواب

الحمد لله.

روى الترمذي (3799) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:  إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي - وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَمَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ ، وقال الترمذي عقبه: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".

وهذا تنبيه إلى مكانة ابن مسعود رضي الله عنه العلمية، وما سيتصدر إليه من التعليم والدعوة، كما حصل منه رضي الله عنه مدة مقامه في الكوفة، حيث كان معلما ومفقها ومقرئا لأهل العراق.

قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:

"يستحب للفقيه أن ينبه على مراتب أصحابه في العلم، ويذكر فضلهم، ويبين مقاديرهم، ليفزع الناس في النوازل بعده إليهم، ويأخذوا عنهم... عن حذيفة، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: ( إني لا أدري قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر وتمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه )" انتهى من"الفقيه والمتفقه" (2/290).

وهذا الخبر، يتناول تصديق ابن مسعود، رضي الله عنه، فيما يخبر به من نصوص الوحي.

قال الشيخ محمد علي آدم الأثيوبي رحمه الله تعالى:

" فيه فضل الصحابيين: عمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وأنهما في المنزلة الرفيعة التي ينبغي للناس أن يأخذوا عنهما سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفعليّة، والقوليّة " انتهى من "مشارق الأنوار" (4/67).

ويتناول أيضا: تصديقه فيما يخبر به من حكم الشرع، فيما لا نص فيه، مما أدركه باجتهاده في تفهم نصوص الوحي، كما يشير إليه اللفظ الآخر لهذا الحديث عند الترمذي (3805)؛ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

وكما يشير إليه ما رواه الحاكم في "المستدرك" (3 / 317 — 318) عن زَائِدَة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَضِيتُ لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، وقال الحاكم: " هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ".

وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3/225).

قال أبو موسى المديني رحمه الله تعالى:

"في الحديث: (تَمسَّكوا بِعَهْد ابنِ أَمِّ عَبْد): أي ما يُوصِيكم به، وبمَا يَأْمُركم وَيعِظُكم. يَدُلُّ عليه حَدِيثُه الآخَر: ( رَضِيتُ لأمَّتي ما رَضي لها ابنُ أُمِّ عَبْد )؛ - لمَعْرِفَتِه صلَّى الله عليه وسلّم بشفَقَتِه عليهم، ونَصِيحَتِه لهم " انتهى من"المجموع المغيث" (2/527).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"... ومن قال ليس قوله بحجة، وإذا خالفه غيره ممن بعده يجوز أن يكون الصواب في قول المخالف له: لم يرض للأمة ما رضيه لهم ابن أم عبد ، ولا ما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

... كتب عمر رضي اللَّه عنه إلى أهل الكوفة: ( قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا، وعبد اللَّه بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النُّجباء من أصحاب محمد صلى اللَّه عليه وسلم من أهل بدر، فاقتدوا بهما، واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد اللَّه على نفسي ) .

فهذا عمر قد أمر أهل الكوفة أن يقتدوا بعمار وابن مسعود، ويسمعوا قولهما ، ومن لم يجعل قولهما حجة يقول: لا يجب الاقتداء بهما ، ولا سماع أقوالهما ، إلا فيما أجمعت عليه الأمة، ومعلوم أن ذلك لا اختصاص لهما به، بل فرق فيه بينهما وبين غيرهما من سائر الأمة " انتهى من"إعلام الموقعين" (6/ 13–14).

ويدل لهذا مضيّ عمل التابعين ومن بعدهم من أهل القرون الفاضلة، فقد انتهى علم الشريعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جملة من الصحابة ممن أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم، وعبد الله بن مسعود من أبرزهم؛ فطاف بهم الناس وأخذوا علمهم، واتبعوا اجتهادهم.

قال العلائي رحمه الله تعالى:

" المعتمد: أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم، والفتيا به؛ من غير نكير من أحد منهم؛ وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا.

قال مسروق: وجدت علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى ستة: عمر وعلي وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود.

وقال أيضا: كان أصحاب القضاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ستة: عمر وعلي وعبد الله وأبيّ وزيد وأبو موسى يعني الأشعري رضي الله عنهم.

وقال الشعبي: كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر وعلي وعبد الله يعني ابن مسعود، وزيد بن ثابت: يشبه بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان علي وأبو موسى وأبيّ بن كعب يشبه علم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض.

وقال علي بن المديني: لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم. ثم ذكر أصحاب كل واحد منهم من التابعين الذين كانوا يفتون الناس بقول ذلك الصحابي.

ومن أمعن النظر في كتب الآثار، وجد التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابي، فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع.

ثم هذا مشهور أيضا في كل عصر، لا يخلو عنه مستدل بها، أو ذاكر لأقوالهم في كتبه " انتهى من "إجمال الإصابة"(ص66-67).

فالحاصل؛ أن هذا الحديث يحث على الاقتداء بابن مسعود رضي الله عنه في جميع أمور الدين، رواية ودراية، نقلا، وفهما؛ فرضي الله عنه وأرضاه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب