الحمد لله.
أولا:
حكم المفاضلة بين الزوجات في النفقة والهدايا
يلزم الرجل أن يعدل بين زوجتيه في المبيت عندهما، باتفاق العلماء.
وأما العدل فيما وراء ذلك من الهدايا والتوسعات، ففيه خلاف بين الفقهاء، فمنهم من أجاز التفضيل، ومنهم من منع ذلك وأوجب التسوية، وهو المرجح عندنا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ رواه أبو داود (2133)، والنسائي(3881)، وصححه الشيخ الألباني.
وفي "الموسوعة الفقهية"(33/186): "وإذا قام الزوج بالواجب من النفقة والكسوة لكل واحدة من زوجاته، فهل يجوز له بعد ذلك أن يفضل إحداهن عن الأخرى في ذلك، أم يجب عليه أن يسوي بينهن في العطاء فيما زاد على الواجب من ذلك كما وجبت عليه التسوية في أصل الواجب؟
اختلف الفقهاء في ذلك:
فذهب الشافعية والحنابلة، وهو الأظهر عند المالكية، إلى أن الزوج إن أقام لكل واحدة من زوجاته ما يجب لها، فلا حرج عليه أن يوسع على من شاء منهن بما شاء، ونقل ابن قدامة عن أحمد في الرجل له امرأتان قال: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسوة إذا كانت الأخرى في كفاية، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية، وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج، فسقط وجوبه، كالتسوية في الوطء.
لكنهم قالوا: إن الأولى أن يسوي الرجل بين زوجاته في ذلك، وعلل بعضهم ذلك بأنه للخروج من خلاف من أوجبه.
وقال ابن نافع: يجب أن يعدل الزوج بين زوجاته فيما يعطي من ماله، بعد إقامته لكل واحدة منهن ما يجب لها.
ونص الحنفية على وجوب التسوية بين الزوجات في النفقة، على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حال الزوج، أما على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حالهما: فلا تجب التسوية وهو المفتى به، فلا تجب التسوية بين الزوجات في النفقة، لأن إحداهما قد تكون غنية وأخرى فقيرة" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "القول الصحيح في العدل بين الزوجات: أنه يجب على الزوج أن يعدل بينهن في كل ما يمكنه العدل فيه، سواءٌ من الهدايا أو النفقات، بل وحتى الجماع إن قدر: يجب عليه أن يعدل فيه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (10/252).
ثانيا:
هل يلزم الولد الذي فضله والده المتوفى في العطية أن يرجعها إلى التركة؟
إذا فاضل الرجل بين أولاده في العطية ثم مات، فهل يلزم الولد المفضل أن يدخل العطية في التركة؟
في ذلك خلاف، والجمهور على أنه لا يلزمه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/60) : " إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية، ثم مات قبل أن يسترده، ثبت ذلك للموهوب له، ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم، والميموني، وهو اختيار الخلال وصاحبه أبي بكر، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وأكثر أهل العلم.
وفيه رواية أخرى عن أحمد، أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه. اختاره ابن بطة وأبو حفص العكبريان. وهو قول عروة بن الزبير، وإسحاق. وقال أحمد: عروة قد روى الأحاديث الثلاثة؛ حديث عائشة، وحديث عمر، وحديث عثمان، وتركها وذهب إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يُرد في حياة الرجل وبعد موته. وهذا قول إسحاق، إلا أنه قال: إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم، لا يسع أن ينتفع أحد مما أعطي دون إخوته وأخواته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى ذلك جورا بقوله: لا تشهدني على جور؛ والجور حرام لا يحل للفاعل فعله، ولا للمعطى تناوله، والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما، فيجب رده، ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد، أن يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد، ولم يكن علم به، ولا أعطاه شيئا، وكان ذلك بعد موت سعد" انتهى.
وذهب أحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام إلى أنه يلزمه ذلك، وبه أفتت اللجنة الدائمة، وهو المفتى به في موقعنا. وينظر: جواب السؤال رقم:(178463)، ورقم:(225739).
ثالثا:
هل يلزم الزوجة التي وهبها زوجها المتوفى دون غيرها من الزوجات أن تعيده للتركة
إذا فاضل الرجل بين زوجتيه في الهبة والعطية ثم مات، فلم نقف على من أوجب على الزوجة المفضلة أن تدخل الهبة في التركة.
وهذه المسألة تختلف عن مسألة الأولاد من وجهين:
1-أن إيجاب العدل بين الأولاد في الهبة له أدلة كثيرة ظاهرة، وأما العدل بين الزوجات في الهبات فليست أدلته بذلك الظهور؛ ولهذا لم يقل به جمهور الفقهاء.
2-أنا لم نقف على من قال بإلزام الزوجة المفضلة برد الهبة إلى التركة.
والله أعلم.
تعليق