الحمد لله.
لم نفهم المقصود بعبارة: "لماذا لم يفرض الحجاب قبل الإسلام؟".
هل المقصود بــ "قبل الإسلام": الزمن الجاهلي؟
فإن كان هذا هو المقصود؛ فمن المعلوم لكل مسلم أن هذه الأحكام إنما تعرف بمجيء الرسل؛ والله تعالى لكمال علمه وحكمته اختار لرسله أزمانا معينة وبلدانا محددة؛ ولهذا لا يليق مثل هذا السؤال: لماذا لم يرسل الله رسلا في الجاهلية بالنهي عن التبرج؟
قال الله تعالى:(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته " انتهى من"مجموع الفتاوى" (8/79).
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:
"اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله، على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك" انتهى من"شرح الطحاوية"(ص261).
وأما إن كان المقصود بعبارة: "قبل الإسلام"؛ شرائع الرسل السابقة، كشريعة موسى وعيسى عليهما السلام وغيرهما من الرسل.
ففي هذه الحال لا يستقيم هذا السؤال أيضا ؛ لأنه لم يثبت أن هذه الشرائع أقرت التبرج ولم تنه عنه؛ بل الظاهر من نصوص الوحي أن أمر التبرج هو أمر مستنكر في كل الشرائع؛ لأنه من الجاهلية التي تناقض نور الوحي والهدى، حيث نسب الله تعالى التبرج إلى الجاهلية؛ كما في قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الأحزاب/33.
وقال الله تعالى عن قصة موسى عليه السلام: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ القصص/25.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"قال الله تعالى: ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) أي: مشي الحرائر، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، أنه قال: كانت مستترة بكم درعها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون قال: قال عمر رضي الله عنه: جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خراجة ولاجة. هذا إسناد صحيح" انتهى من"تفسير ابن كثير" (6/228).
وروى البخاري (869)، ومسلم (445) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: "لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ، كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ" قَالَ: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ".
فهذا يشير إلى أن نساء بني اسرائيل كنّ يمنعن عما يثير الفتنة.
قال العيني رحمه الله تعالى:
"قوله: (ما أحدث النساء)... أي: ما أحدثت من الزينة والطيب وحسن الثياب ونحوها ...
قوله: (كما منعت نساء بني إسرائيل)؛ يحتمل أن تكون شريعتهم المنع، ويحتمل أن يكون منعن بعد الإباحة، ويحتمل غير ذلك مما لا طريق لنا إلى معرفته إلا بالخبر" انتهى من"عمدة القاري" (6/ 158-159).
وما في كتب أهل الكتاب وشرائعهم التي بين أيديهم اليوم لا تخالف هذا الأمر بل تؤكده.
وطالع للفائدة كتاب: "الحجاب شريعة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية" لكاتبه سامي عامري.
والله أعلم.
تعليق