الحمد لله.
لا حرج على المسلم أن يضيف الشيء إلى سببه الصحيح، بشرط أن لا يغفل عن المسبِّب والمنعم، وهو الله تعالى.
فالدواء سبب للشفاء، فلا حرج من إضافة الشفاء إليه، لا على أنه هو الشافي بذاته، بدون تقدير الله تعالى وإنعامه على العبد، وإنما على أنه سبب لحصول الشفاء، والشافي في الحقيقة هو الله تعالى، وهو الذي تفضل على عبده وجعل هذا الدواء نافعا له.
وكم من مريض تداوى ولم يُشْفَ، لأن الله تعالى لم يرد ذلك.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل هذه العبارة صحيحة: "بفضل فلان تغير هذا الأمر، أو بجهدي صار كذا"؟
فأجاب:
"هذه العبارة صحيحة، إذا كان للمذكور أثر في حصوله، فإن الإنسان له فضل على أخيه إذا أحسن إليه، فإذا كان للإنسان في هذا الأمر أثر حقيقي فلا بأس أن يقال: هذا بفضل فلان، أو بجهود فلان، أو ما أشبه ذلك، لأن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم جائزة شرعاً وحساً، ففي صحيح مسلم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال في عمه أبي طالب: (لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) ...
أما إذا أضاف الشيء إلى سبب وليس بصحيح فإن هذا لا يجوز، وقد يكون شركاً، كما لو أضاف حدوث أمر لا يحدثه إلا الله إلى أحد من المخلوقين، أو أضاف شيئاً إلى أحدٍ من الأموات أنه هو الذي جلبه له فإن هذا من الشرك في الربوبية" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/89).
وقال رحمه الله في "القول المفيد" (2/144):
"(وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان لم يكن كذا).
وهذا القول من قائله فيه تفصيل : إن أراد به الخبر وكان الخبر صدقا مطابقا للواقع، فهذا لا بأس به، وإن أراد بها السبب، فلذلك ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون سببا خفيا لا تأثير له إطلاقا، كأن يقول: لولا الولي الفلاني ما حصل كذا وكذا، فهذا شرك أكبر، لأنه يعتقد بهذا القول أن لهذا الولي تصرفا في الكون مع أنه ميت، فهو تصرف سري خفي.
الثانية: أن يضيفه إلى سبب صحيح ثابت شرعا أو حسا، فهذا جائز بشرط أن لا يعتقد أن السبب مؤثر بنفسه، وأن لا يتناسى المنعم بذلك.
الثالثة: أن يضيفه إلى سبب ظاهر، ولكن يثبت كونه سببا لا شرعا ولا حسا، فهذا نوع من الشرك الأصغر، وذلك مثل: التولة [نوع من السحر]، والقلائد التي يقال: إنها تمنع العين، وما أشبه ذلك، لأنه أثبت سببا لم يجعله الله سببا، فكان مشاركا لله في إثبات الأسباب.
ويدل هذا التفضيل أنه ثبت إضافة (لولا) إلى السبب وحده بقول النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: (لولا أنا، لكان في الدرك الأسفل من النار) ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الشرك، وأخلص الناس توحيدا لله تعالى، فأضاف النبي صلى الله عليه وسلم الشيء إلى سببه، لكنه شرعي حقيقي، فإنه أُذن له بالشفاعة لعمه بأن يخفف عنه، فكان في ضحضاح من النار، عليه نعلان يغلي منه دماغه لا يرى أن أحدا أشد عذابا منه" انتهى.
والله أعلم.
تعليق