الحمد لله.
بحق الرحم أو القرابة أو الصحبة أو الجوار فيه تفصيل:
1-فإن كان على سبيل القسم، فهو محرم؛ لأنه لا يجوز الحلف بغير الله. وينظر: جواب السؤال رقم:(344453).
2-وإن كان على سبيل التوسل والاستعطاف؛ أي أسألك أن تراعي حق الرحم التي بيننا، فهو جائز، ويدل عليه قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَام) النساء/1، على القراءة بخفض (الأرحام)، وهي قراءة متواترة.
فالمعنى : اتقوا الله الذي تتساءلون به، وتتساءلون بالأرحام. وبهذا فسرها بعض السلف ، كإبراهيم النخعي ومجاهد رحمهما الله .
روى ابن جرير (8464) عَنْ إِبْرَاهِيمَ قال : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) قَالَ : يَقُولُ : أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ.
وروى (8466) عَنْ مُجَاهِدٍ قال : "(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) قَالَ : يَقُولُ : أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ".
قال القرطبي رحمه الله (5/2) : "وقرأ إبراهيم النخعي وقتادة والأعمش وحمزة: (الأرحامِ) بالخفض.
وقد تكلم النحويون في ذلك...
وقال جماعة: هو معطوف على المكني [أي : الضمير] ، فإنهم كانوا يتساءلون بها، يقول الرجل: سألتك بالله والرحم، هكذا فسره الحسن والنخعي ومجاهد، وهو الصحيح في المسألة" انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ؛ فَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِالنَّصْبِ: إنَّمَا يَسْأَلُونَ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ لَا بِالرَّحِمِ، وَتَسَاؤُلُهُمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى يَتَضَمَّنُ إقْسَامَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِاَللَّهِ، وَتَعَاهُدَهُمْ بِاَللَّهِ.
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ، فَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: هُوَ قَوْلُهُمْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ ، وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ سُؤَالِهِمْ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ عَلَى جَوَازِهِ، فَإِنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِهِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَسْأَلُك بِالرَّحِمِ، لَيْسَ إقْسَامًا بِالرَّحِمِ - وَالْقَسَمُ هُنَا لَا يَسُوغُ - لَكِنْ بِسَبَبِ الرَّحِمِ ، أَيْ لِأَنَّ الرَّحِمَ تُوجِبُ لِأَصْحَابِهَا بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حُقُوقًا ، كَسُؤَالِ الثَّلَاثَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ ، وَكَسُؤَالِنَا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَتِهِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ إذَا سَأَلَهُ بِحَقِّ جَعْفَرٍ أَعْطَاهُ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْسَامِ؛ فَإِنَّ الْإِقْسَامَ بِغَيْرِ جَعْفَرٍ أَعْظَمُ ، بَلْ مِنْ بَابِ حَقِّ الرَّحِمِ ، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبِ جَعْفَرٍ ، وَجَعْفَرٌ حَقُّهُ عَلَى عَلِيٍّ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/339).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره لسورة النساء:
هل يؤخذ جواز السؤال بالأرحام من القراءة الثانية؟
فأجاب: "نعم، لكن لا تقرن بالله . يقول: أسألك بالرحم التي بيني وبينك، يعني كأنه يذكِّره الصلة التي بينه وبينه حتى لا يعتدي عليه" انتهى.
https://bit.ly/3kurWz7
والحاصل: أنه لا حرج أن يقول الإنسان لأخيه: أسألك بالرحم أو الصحبة أو القرابة التي بيننا، على سبيل التوسل والاستعطاف، لا القسم، وتذكيره بحق ذلك، وما توجبه الرحم، أو الصحبة على صاحبه، وكذلك ما توجبه الرجولة من مواقف الشهامة، والحِفاظ، والإعانة في المحنة، وتفريج الكربة، ونحو ذلك من المعاني الفاضلة.
والله أعلم .
تعليق