الحمد لله.
أولا:
إذا جرح الجاني المجني عليه، واحتاج إلى علاج: لزمه تكلفة علاجه.
نقل ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (11/89) عن شريح أنه "قضى في الكسر إذا انجبر قال: لا يزيده ذلك إلا شدةً، يُعطى أجرَ الطبيب وقدرَ ما شُغل عن صنعته" انتهى.
وفي "الدر المختار" ص 707: "وفي جواهر الفتاوى: رجل جرح رجلا، فعجز المجروح عن الكسب: يجب على الجارح النفقة والمداواة" انتهى.
وقال الشيخ عبد الله المطلق: "وأما الجنايات التي ليس فيها شيء مقدر: فلا أرى هناك ما يمنع من الأخذ بما استحسنه بعض المالكية، من لزوم تحمل نفقات العلاج فيها مطلقا، عملا بالقاعدة الشرعية: الضرر يزال؛ حيث إن العلاج وسيلة إزالة ضرر الجراحة، وقد ألحق الجاني ضرر الجراحة بالمجني عليه، فلزمه إزالته بالعلاج؛ لا سيما وأنها في الغالب ليست خطيرة كخطورة ما فيها شيء مقدر.
ومن ثم فإذا برئت الجناية على شين، أخذ - زيادة على ذلك - : الحكومةَ" انتهى من بحثه "مسؤولية الجاني عن علاج المجني عليه وضمان تعطله عن العمل" منشور "بمجلة البحوث الإسلامية" (70/314).
ثانيا:
أما الدية، فإن جراحات الرأس متنوعة، ولكل ديتها، أو الواجب فيها.
قال في "منار السبيل" (2/ 349):
"الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه" وهي عشر:
"1- الحارصة:" وهي التي تشق الجلد قليلا.
"2- البازلة:" وهي الدامية، وهي: التي يخر منها دم يسير.
"3- الباضعة:" وهي التي تشق اللحم بعد الجلد.
"4- المتلاحمة:" وهي التي تنزل في اللحم كثيرا.
"5- السمحاق:" التي تصل إلى قشرة رقيقة فوق العظم تسمى السمحاق.
فهذه الخمس لا مقدر فيها... لأنها جروح لم يرد الشرع فيها بتوقيت، فكان الواجب فيها الحكومة، كجروح البدن، قال مكحول: "قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل، ولم يقض فيما دونها. قاله في الكافي. وقال في الشرح: والحكومة أن يُقَوّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يُقوَّم وهي به قد برئت، فما نقص منه، فله مثله من الدية، ولا نعلم خلافا أن هذا تفسير الحكومة، ولا يقوّم إلا بعد بُرء الجرح، فإن لم ينقص في تلك الحال، قُوّم حال جريان الدم. انتهى ملخصا.
والتي فيها مقدّر ذكرها بقوله: "وهي خمسة:"
"1- الموضحة التي توضح العظم وتبرزه" ولو يسيرا.
"وفيها: نصف عشر الدية = خمسة أبعرة" لأن في كتاب عمرو بن حزم "وفي الموضحة: خمس من الإبل" رواه النسائي.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "في المَواضح خمس من الإبل" رواه الخمسة. وسواء كانت في الرأس أو الوجه، لعموم الأحاديث، وروي عن أبي بكر وعمر.
"فإن كان بعضها في الرأس، وبعضها في الوجه: فموضحتان" لأنه أوضحه في عضوين، فلكل حكم نفسه.
"2- الهاشمة: التي توضح العظم وتهشمه. وفيها: عشرة أبعرة" روي عن زيد بن ثابت، ولم يعرف له مخالف في عصره من الصحابة...
"3- المنقلة: التي توضح وتهشم، وتنقل العظم" أي: تزيله عن موضعه، أو يحتاج إلى إزالته ليلتئم.
"وفيها: خمسة عشر بعيرا" حكاه ابن المنذر إجماع أهل العلم. وفي كتاب عمرو بن حزم: "المنقلة خمس عشرة من الإبل". وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا مثل ذلك. رواه أحمد وأبو داود.
"4- المأمومة" - قال ابن عبد البر: وأهل العراق يقولون لها: الآمة - "التي تصل إلى جلدة الدماغ. وفيها: ثلث الدية" لما في كتاب عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي المأمومة ثلث الدية". رواه النسائي. وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا مثله رواه أحمد.
"5- الدامغة: التي تخرق الجلدة" أي: جلدة الدماغ. "وفيها الثلث أيضا"؛ لأنها أولى من المأمومة، لزيادتها عليها، وصاحبها لا يسلم غالبا، ولم يرد الشرع بإيجاب شيء في زيادتها" انتهى.
ثالثا:
إذا ترتب على الجناية تلف عضو أو عجز فيه، فقد تجب فيه دية العضو، أو يكون فيه حكومة، بحسب الحال.
رابعا:
الدية هنا يُطالَب بها الجاني، وليس من أمره.
ونسأل الله أن يتم شفاءك وعافيتك.
والله أعلم.
تعليق