الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل تصح صلاتها إذا كان كمها واسعا يظهر منه رسغها أو ما فوقه عند حركتها في الصلاة؟

396923

تاريخ النشر : 26-12-2023

المشاهدات : 8236

السؤال

سؤالنا بخصوص انكشاف عورة المرأة في الصلاة، غالباً تكون أكمام الملابس واسعة نوعاً ما، وحتى إن كانت ضيقة فإنها عند الحركة تبتعد عن الكف قليلاً،ئ فيظهر جزء بسيط من الساعد، مثل لو رفعت المرأة يدها للتكبير، كذلك فعندما ننظر من خلال فتحة الكم فإننا نرى جزءاً كبيراً من الساعد على امتداده، وغالبا يكون مظلل، فهل يجب ستر امتداد فتحة الكم؟ ولا يظهر هذا المقدار في حالة الوقوف في الصلاة فإن الشخص المقابل لا يرى ذلك، ولا يراه إلا نفس الشخص عند النظر بداخل كمه، فما حكم هذا المقدار المكشوف في الصلاة؟ مع العلم أن العمل بستر ما بداخل فتحة الكم فيه من الحرج والمشقة الشيء الكثير، بحيث لن يجزئ إلا ارتداء الملابس بالأكمام المشدودة شدا قويا جدا على اليد، بحيث لا يكون هناك فراغ بين اليد والكم، فلا تظهر اليد بالنظر داخل الكم. وهل كلام ابن حجر التالي يتعلق بنفس المشكلة، أم أني أسأت الفهم: " قال ابن حجر في التحفة: لَوْ اتَّسَعَ الْكُمُّ فَأَرْسَلَهُ بِحَيْثُ تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ لَمْ يَصِحَّ، إذْ لَا عُسْرَ فِي السَّتْرِ مِنْهُ، وَأَيْضًا فَهَذِهِ رُؤْيَةٌ مِنْ الْجَانِبِ، وَهِيَ تَضُرُّ مُطْلَقًا"؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الواجب على المرأة ستر جميع بدنها في الصلاة، إلا الوجه والكفين، فيجب أن يكون كمها إلى الرسغين، ساترا لهما، ولا يضرها لو كان الكم واسعا بحيث لو نظر إنسان من داخله لرأى ذراعها.

ولكن إن كانت إذا حركت يدها ارتفع كمها عن رسغيها، وانكشف شيء من ذراعها، فهذا يضر.

ولهذا؛ فالاحتياط أن تطيل الكم، حتى إذا رفعت يديها: لم ينكشف رسغها ولا ما فوقه.

قال ابن حجر الهيتمي، رحمه الله، في "تحفة المحتاج" (2/ 112): " (و) عورة (الحرة)، ولو غير مميزة: (ما سوى الوجه والكفين)، ظهرهما وبطنهما، إلى الكوعين، لقوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها؛ أي إلا الوجه والكفين" انتهى.

قال الشرواني في حاشيته عليه: " (قوله إلى الكوعين) بإدخال الغاية، فالأولى إلى الرسغين".

تنبيه: المراد بالكوع: هو العظم المتصل بطرف الإبهام، حتى مفصل الكف. وليس المراد به المرفق، كما هو في عرف الناس الآن.

وأما المثال الذي ذكره عن اتساع الكم، فمراده لو كان كم الرجل واسعا وليس عليه إزار يستر ما بين سرته وركبته، فإذا كانت عورته- أي ما بين سرته وركبته- ترى من كمه بطلت صلاته، وهذه رؤية من الجانب، لا يتسامح فيها.

وكذلك لو كان كم المرأة يصل للرسغين، لكنه واسع فيرى منه جانب ذراعها مما فوق الرسغ، فهذا مبطل لصلاتها.

وللشافعية في ذلك خلاف.

قال السيد باعلوي الحضرمي في "بغية المسترشدين" ص68: "قال في حاشية الكردي وفي الإمداد: ويتردد النظر في: رؤية ذراع المرأة من كمها، مع إرسال يدها؟

استقرب في الإيعاب: عدم الضرر؛ بخلاف ما لو ارتفعت اليد. ويوافقه في ما في فتاوى (م ر) [يعني: الرملي].

وخالفه في "التحفة" قال: لأن هذا رؤية من الجوانب؛ وهي تضر مطلقاً اهـ.

وفي الجمل: وقولهم: ولا يجب الستر من أسفل؛ أي ولو لامرأة؛ فلو رُئيت من ذيله، في نحو قيام أو سجود، لا لتقلص ثوبه، بل لجمع ذيله على عقبيه: لم يضر." انتهى، من "بغية المسترشدين" (1/150).

ثانيا:

المعتمد  في مسألة انشكاف العورة في الصلاة: أنه إن كان يسيرا من غير قصد، صحت صلاتها، كما هو مذهب الحنابلة.

قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك: أن ستر العورة عن النظر، بما لا يصف البشرة: واجب، وشرط لصحة الصلاة. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي.

وقال بعض أصحاب مالك: سترها واجب، وليس بشرط لصحة الصلاة.

وقال بعضهم: هي شرط مع الذكر دون السهو ...

فإن انكشف من العورة يسير: لم تبطل صلاته. نص عليه أحمد، وبه قال أبو حنيفة.

وقال الشافعي: تبطل؛ لأنه حكم تعلق بالعورة، فاستوى قليله وكثيره، كالنظرة.

ولنا: ما روى أبو داود بإسناده عن أيوب عن عمرو بن سلمة قال: انطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، وقال: يؤمكم أقرؤكم. فكنت أقرأهم، فقدموني، فكنت أؤمهم، وعلي بردة لي صفراء صغيرة، وكنت إذا سجدت انكشفت عني. فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم!! فاشتروا لي قيمصا عمانيا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به. رواه أبو داود والنسائي أيضا عن عاصم الأحول عن عمرو بن سلمة، قال: فكنت أؤمهم في بردة موصولة فيها فتق، فكنت إذا سجدت فيها خرجت استي.

وهذا ينتشر، ولم ينكر، ولا بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكره.

ولأن ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر، فُرّق بين قليله وكثيره في غير حال العذر، كالمشي، ولأن الاحتراز من اليسير يشق، فعفي عنه، كيسير الدم.

إذا ثبت هذا؛ فإن حد الكثير: ما فحش في النظر. ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما. واليسير: ما لا يفحش. والمرجع في ذلك إلى العادة " انتهى من "المغني" (1/ 651).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مرجحا مذهب الجمهور: " إذا انكشف شيء يسير من شعرها وبدنها: لم يكن عليها الإعادة، عند أكثر العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد.

وإن انكشف شيء كثير: أعادت الصلاة في الوقت، عند عامة العلماء الأئمة الأربعة، وغيرهم، والله أعلم" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/55).

لكن إن حصل كشف لليسير، عن عمد، بطلت الصلاة.

قال المرداوي رحمه الله: " ظاهر قوله: "إذا انكشف": أنه إذا انكشف من غير قصد، وهو محل الخلاف.

أما لو كُشِف يسيرٌ من العورة، قصدا: فإنه يبطلها على الصحيح من المذهب.

قدمه في الفروع، وقاله القاضي، وقدمه في الرعايتين.

وقيل: لا يبطل. وقدمه ابن تميم في مختصره" انتهى من "الإنصاف" (1/ 322).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سئل فضيلته: إذا انكشفت عورة المصلي فما الحكم؟

فأجاب بقوله: هذا لا يخلو من أحوال:

الحال الأولى: إذا كان عمداً، بطلت صلاته. قليلاً كان أو كثيراً، طال الزمن أو قصر.

الحال الثانية: إذا كان غير عمد، وكان يسيراً، فالصلاة لا تبطل.

الحال الثالثة: إذا كان غير عمد، وكان فاحشاً، لكن الزمن قليل، كما لو هبت الريح وهو راكع، وانكشف الثوب، ولكن في الحال أعاده؛ فالصحيح أن الصلاة لا تبطل، لأنه ستره عن قرب، ولم يتعمد الكشف، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم).

الحال الرابعة: إذا كان غير عمد، وكان فاحشاً، وطال الزمن؛ بأن لم يعلم إلا في آخر صلاته، [بطلت]، لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة؛ والغالب عليه أنه مفرط. والله أعلم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/ 300).

وقال رحمه الله: " لو تعمَّد أن يَكشِفَ شيئاً من عورته، ولو يسيراً، ولو في زمن يسير، فإن صلاته تبطل، فلو رفع سروالَه ليَحُكَّ ركبته، ورفع حتى ظهر الفَخِذُ، وقلنا إن الفخذ عورة، بطلت صلاته؛ لأنه تعمَّد الكشف " انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 171).

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب