الحمد لله.
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب، ومن ذلك ما ورد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) رواه البخاري (6472)، ومسلم (220).
ووردت روايات أخرى بعدد أكبر من هذا، وقد رأى أهل العلم أنه يقوّي بعضها بعضا، ومن ذلك ما رواه الترمذي (2437) عَنْ أَبي أُمَامَةَ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ؛ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ: سَبْعُونَ أَلْفًا ، وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِهِ)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".
وروى الإمام أحمد في "المسند" (37/ 98-99) عن ثَوْبَان، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَذَابَ ؛ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ : سَبْعُونَ أَلْفًا) وقال محققو المسند: "صحيح لغيره".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وقد وقع في أحاديث أخرى أن مع السبعين ألفا زيادة عليهم، ففي حديث أبي هريرة عند أحمد والبيهقي في "البعث" من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَأَلْتُ رَبِّي فَوَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي ) فذكر الحديث ... وزاد: ( فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا )، وسنده جيّد.
وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني، وعن حذيفة عند أحمد، وعن أنس عند البزار، وعن ثوبان عند ابن أبي عاصم. فهذه طرق يقوي بعضها بعضا.
وجاء في أحاديث أخرى أكثر من ذلك: فأخرج الترمذي وحسّنه والطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة رفعه ... " انتهى من "فتح الباري" (11/411).
وأحاديث الاقتصار على السبعين ألفا، وإن كانت أقوى سندا، إلا أن ذلك لا يلزم منه رد الأحاديث التي وردت بالزيادة ؛ لأن ذلك إنما يصار إليه إذا كان في الأحاديث الصحيحة الثابتة ما يدل على حصر العدد في السبعين ألفا؛ فالترجيح شرطه تعذر الجمع بين النصوص؛ لكن إذا لم يكن في هذه النصوص الثابتة الصحيحة ما يدل على الحصر، لم يمنع أن ترد الروايات الأخرى بالزيادة المذكورة، ومتى ثبتت أسانيدها، أمكن المصير إليها. ويمكن أن يجمع بين هذه وتلك، بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بداية بالسبعين ألفا، ثم أوحي له بالزيادة فأخبر بها.
والقاعدة عند العلماء في مثل هذه الحال: أنه يجب الجمع بين النصوص الصحيحة، وقبولها كلها متى أمكن ذلك.
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
"والمقرر في علم الأصول، وعلم الحديث: أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين، وجب الجمع بينهما إجماعا، ولا يرد غير الأقوى منهما بالأقوى؛ لأنهما صادقان، وليسا بمتعارضين، وإنما أجمع أهل العلم على وجوب الجمع بين الدليلين إن أمكن؛ لأن إعمال الدليلين معا أولى من إلغاء أحدهما، كما لا يخفى" انتهى من "أضواء البيان" (5/161).
والله أعلم.
تعليق