الحمد لله.
أولا:
المشهور في المذهب المالكي أن العدد للجمعة غير محدود، بل المعتبر أن يكونوا قد بلغوا حدا يكفي لأن تستقيم بهم حياة قرية، بحيث يستغنون في معيشتهم عن غيرهم من القرى والبلدات.
قال المازري رحمه الله تعالى:
" اختلف الناس في عدد الجماعة التي تنعقد بهم الجمعة، هل هو محدود أم لا؟
والمشهور عندنا أنه ليس بمحدود، وإنما المعتبر ما أشار إليه القاضي أبو محمّد؛ من كونهم عددا تتقرى بهم قرية.
وقيل: إن الجماعة محدودة، واختلف الحادّون فيها. فذكر ابن حبيب عن مالك: أن الثلاثين بيتا وما قاربهم جماعة... والبيت مسكن الرجل الواحد. وفي مختصر ابن شعبان: إذا كانت قرية فيها خمسون رجلا، ومسجدٌ يجمّعون فيه الصلوات: فلا بأس أن يجمّعوا صلاة الخسوف. وهذا يتخرج منه مراعاة هذا العدد في الجمعة، لأن الجمعة أحق باشتراط الجماعة... " انتهى "شرح التلقين" (1 / 961).
وقال خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى:
" ( ولا تُجْزِئُ الأَرْبَعَةُ ونَحْوُهَا، ولابُدَّ مِمَّنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ مِنَ الذُّكُورِ الأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ، بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُ الثُّوَاءُ فِيهِ، مِنْ بِنَاءٍ مُتَّصِلٍ أَوْ أَخْصَاصٍ، مُسْتَوْطِنِينَ عَلَى الأَصَحِّ ) ...
لمَّا ذَكر أن الجماعة شرط، بيَّن أن الجماعة هنا أخص من الجماعة في غيره.
والمعروف: لا حد لها، بل ضابطها ما ذكره المصنف أن يكونوا بحيث تتقرى بهم قرية؛ أي: مستغنين عن غيرهم، آمنين.
ورُوي عن مالك في الواضحة: إذا كانوا ثلاثين رجلا وما قاربهم جمَّعوا، وإن كانوا أقل من ثلاثين لم تجزئهم. القابسي: وما علمت أن أحدا ذكر عن مالك في ذلك حدا إلا هذا.
وفي مختصر ما ليس في المختصر: إذا كانت قرية وفيها خمسون رجلا، ومسجد يجمعون فيه الصلاة: فلا بأس أن يصلوا صلاة الكسوف.
اللخمي وغيره: وعلى هذا لا يصلون الجمعة إلا أن يكونوا هذا القدر؛ لأن الجمعة أولى أن يطلب لها ذلك.
وذكر في اللمع عن بعض الأصحاب اعتبار عشرة، وذكر غيره قولا باثني عشر " انتهى. "التوضيح" (2 / 51).
ثانيا:
وأما العدد المعتبر لإقامة خطبتي العيد والاستسقاء، فلم نقف على قول مرجح في المذهب.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى:
" وسئل عن أهل القرى الذين لا جمعة عليهم، أيصلون العيدين؟
فقال: ما رأيت أن يصلي العيدين إلا من يصلي الجمعة.
قال محمد بن رشد: لم ير في هذه الرواية أن يصلي العيدين بجماعة وخطبة من لا تجب عليهم الجمعة، وقال في أول رسم من سماع عيسى: إنه لا بأس أن يجتمعوا، ويصلوا صلاة العيدين بغير خطبة، وإن خطب فحسن، خلاف هذه الرواية.
وفي " المدونة " في هذه المسألة: اختلاف في الرواية.
وأما إذا كانوا ممن تجب عليهم الجمعة، فلا اختلاف في أنهم يصلون صلاة العيدين على وجهها بخطبة، وبالله التوفيق " انتهى. "البيان والتحصيل" (1 / 497).
فالظاهر أن الأمر فيهما واسع عندهم؛ لأن الخطبة ليست شرطاً لصحة صلاة العيد والاستسقاء، فليست كشأن خطبة الجمعة فهي شرط.
فلذلك أجاز بعضهم إقامة خطبة العيد بأقل من العدد المشترط للجمعة.
قال المازري رحمه الله تعالى:
" أما الحواضر: فإن الرجال المقيمين فيها يخاطبون بصلاة العيدين، واضطرب المذهب في أهل القرى الذين لا تجب عليهم جمعة...؟
فقال مالك في أهل القرى: يصلون صلاة العيدين كما يصلي الإِمام يكبرون مثل تكبيره، يقوم إمامهم فيخطب بهم خطبتين. قال : وأحب ذلك إليَّ أن يصلي أهل القرى صلاة العيدين.
ولمالك في العتبية : إنما يجمّع في صلاة العيدين من تلزمه الجمعة.
قال ابن القاسم: وإن شاء من لا تلزمه الجمعة أن يصلوها بإمام فعلوا ، ولكن لا خطبة عليهم ، فإن خطبوا فحسن. ولو تركوا الجمعة وهي عليهم ، فعليهم أن يصلوا العيدين بخطبة وجماعة. ولمالك في المجموعة، في القرية فيها عشرون رجلًا : أرى أن يصلوا العيدين. قال عنه ابن نافع: ليس ذلك إلا من عليه الجمعة. قال أشهب: أستحب ذلك لهم ، وإن لم تلزمهم الجمعة " انتهى. "شرح التلقين" (1 / 1058).
وقال الحطاب الرعيني رحمه الله تعالى:
" قال سند: إن جاء من فاتته [يعني : صلاة العيد] والإمام يخطب، فإنه يجلس ولا يصلي، وسواء كان في المصلى أو في المسجد، ثم قال: فإن فاتت جماعة ، فأرادوا أن يصلوا بجماعتهم فهل يجوز؟
يختلف فيه.
قال ابن حبيب: من فاتته العيد لا بأس أن يجمعها مع نفر من أهله.
وقال سحنون: لا أرى أن يجمعوا، وإن أحبوا صلوا أفذاذا.
ثم قال: والمذهب أنهم لا يخطبون.
ثم قال في المدونة: ويصليها أهل القرى كأهل الحضر.
فحمله سند على أن المراد به أهل القرى الصغار الذين لا تجب عليهم الجمعة، وأنه يستحب لهم أن يصلوها.
ثم قال: إذا قلنا لا تجب في غير موطن استيطان ، ويستحب لهم أن يقيموها : فهل ذلك من غير خطبة؟
قال عيسى عن ابن القاسم: إن شاء من لا جمعة عليهم أن يصلوها بإمام : فعلوا . ولكن لا خطبة عليهم، فإن خطبوا فحسن " انتهى. "مواهب الجليل" (2 / 484).
والله أعلم.
تعليق