الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

أليس من المشقة إلزام من حاضت قبل الغروب بقضاء الصوم، وهل يفوتها ثوابه؟!

السؤال

لدي سؤال: أليس من المشقة أن أعيد صيام اليوم الذي جائتني فيه الدورة قبل أذان المغرب بعدة دقائق؟ لست أعترض على حكم الله أبداً، لكن هذا السؤال يدور ببالي؛ لأن ديننا دين يسير، كما وإن هناك الكثير من أقربائي ممن يحاججوني في هذا الموضوع؟ وهل نؤجر على صيامنا الذي لم يكتمل بسبب الدورة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

مفسدات الصيام جاء النص عليها في القرآن الكريم والسنة والنبوية، وأجمع العلماء على كثير منها ، وهذه المفسدات يستوي فيها القليل والكثير ، فمن أكل حبة أرز واحدة ، أو شرب قطرة ماء واحدة ؛ أفطر بإجماع المسلمين ، ولا يقال : إن هذا شيء يسير لا تحصل به التغذية، وسبب ذلك –والله أعلم- أن الأحكام العامة التي يحتاج إليها المسلمون جعلها الله تعالى مبنية على أشياء ظاهرة ، وجعلها منضبطة ، حتى لا يحصل فيها اضطراب .

والعبادات الشرعية، كالصلاة والصيام ونحو ذلك؛ لها حدودها التي بينها الله جل جلاله في كتابه، وحرم تعديها، وقال:  وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة/230 ، وقال : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة/229

وحيض المرأة : مبطل لصومها بالإجماع، متى حصل لها في أدنى وقت مما أمرت بصيامه، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس .

قال النووي رحمه الله :

"لو حاضت في بعض النهار بطل صومها بلا خلاف ، وعليها القضاء ، وكذلك لو نفست ، بطل صومها بلا خلاف" انتهى من "المجموع" (6/385) .

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (38027). 

ثانيا :

أما كون ذلك فيه مشقة ، فلا شك في ذلك ، ولكنها مشقة يسيرة محتملة ، فإن هذا لن يتكرر مع المرأة ، بل سيكون يوما واحدا في رمضان –إن وقع- فيكون أمامها عام كامل لتقضي فيه هذا اليوم الواحد ، وهذه مشقة يسيرة لا تمنع من ثبوت التكليف .

فإن جميع التكاليف الشرعية فيها شيء من المشقة .

قال القرافي رحمه الله في الفرق الرابع عشر (1/281) :

"المشاقُّ قسمان :

أحدهما : لا تنفك عنه العبادة ، كالوضوء والغسل في البرد ، والصوم في النهار الطويل  ، والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك، فهذا القسم لا يوجب تخفيفا في العبادة لأنه قُرر معها .

وثانيهما : المشاق التي تنفك العبادة عنها ، وهي ثلاثة أنواع :

نوع في الرتبة العليا ، كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع: فيوجب التخفيف ...

ونوع في المرتبة الدنيا ، كأدنى وجع في أصبع ، فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة ، وخفة هذه المشقة .

النوع الثالث : مشقة بين هذين النوعين ، فما قرب من العليا أوجب التخفيف ، وما قرب من الدنيا لم يوجبه ، وما توسط يختلف فيه لتجاذب الطرفين له ، فعلى تحرير هاتين القاعدتين تتخرج الفتاوى في مشاق العبادات" انتهى .

فظهر بذلك أنه ليست كل مشقة مسقطة للتكليف .

ثالثا :

إذا بدأت المرأة يومها صائمة ثم حاضت: فسد صيامها، وعليه القضاء .

ومع ذلك فالظاهر، واللائق بكرم الله وسعة فضله: أن يكتب الله لها أجر ما صامت من يومها ؛ لأنها صامت بأمر الله لها، وأفطرت أيضا بأمر الله ، وعذره لها .

وقد قال الله تعالى، في حق من خرج مهاجرا إلى الله ورسوله ، ثم مات قبل أن يبلغ مقصده :  وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا  النساء/100

قال الإمام الجصاص، رحمه الله: " فيه إخبار بوجوب أجر من هاجر إلى الله ورسوله، وإن لم تتم هجرته.

وهذا يدل على أن من خرج متوجها لفعل شيء من القرب؛ أن الله يجازيه بقدر نيته، وسعيه؛ وإن اقتطع دونه، كما أوجب الله أجر من خرج مهاجرا، وإن لم تتم هجرته." انتهى، من "أحكام القرآن" (2/314).

وقال الشيخ السعدي، رحمه الله: " وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: قاصدا ربه ورضاه، ومحبة لرسوله ونصرًا لدين الله، لا لغير ذلك من المقاصد ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ بقتل أو غيره، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى، وذلك لأنه نوى وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمة الله به، وبأمثاله: أن أعطاهم أجرهم كاملا، ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها." انتهى، من "تفسير السعدي" (196).

وقد ذكر الفقهاء نظيرا لهذه المسألة، فيمن خرج حاجا، ثم مات قبل أن يقضي نسكه.

وذكر الملا علي القاري رحمه الله في مسألة الحاج الذي مات في طريق سفره اختلاف العلماء من أين يُحج عنه، ثم قال:" وهذا مبنيٌّ على اختلافهم فيمن حجَّ بنفسه ومات في الطريق، فإِنه يوصِي بأَنْ يُحج عنه من منزله عند أَبي حنيفة، وعندهما ـ وهو الاستحسان ـ مِنْ موضع مات فيه، لأَن سفَره لم يبطُل بموته، لقوله تعالى: ومَنْ يخرُج مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُم يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَد وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، ولقوله صلى الله عليه وسلم مَنْ خَرَج حَاجَّاً فمات كتب اللّهُ له أَجْرَ الحاجِّ إِلى يومِ القيامةِ، ومَنْ خَرَجَ مُعْتَمِراً فماتَ كُتِبَ له أَجْرُ المُعتمِر إِلى يومِ القيامةِ، ومَنْ خَرَج غَازِياً في سبيلِ اللَّهِ فمات، كُتِبَ له أَجْرُ الغازي إِلى يومِ القيامةِ. رواه الطبراني في مُعْجمه، وأَبو يَعْلَى المَوْصلي في مَسْنَده." انتهى، من "فتح باب العناية بشرح النقاية" (3/189).

والحاصل:

الذي يظهر أن المرأة التي يأتيها الحيض في الصيام تثاب على ما فعلته من الصيام ، كما أنها تثاب أيضا على عزمها على إتمام الصيام لولا العذر.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب