الحمد لله.
الذمة هي العهد والضمان، ويلزم منها الحفظ.
قال ابن الأثير رحمه الله: "قد تكرر في الحديث ذكْرُ "الذِّمّة والذِّمام" وهُما بمعنى العَهْد والأمَانِ والضَّمان والحُرمَة والحقِّ...
ومنه الحديث: (فقد بَرِئَت منه الذِّمة) أي: إنَّ لكُلِّ أحَدٍ من اللّه عَهْداً بالحفْظ والكلاءَة، فإذا ألْقى بيده إلى التهْلُكة، أو فعَل ما حُرِّم عليه، أو خالف ما أُمِرَ به، خَذلَتْه ذمَّةُ اللّه تعالى" انتهى، "النهاية في غريب الحديث" (ص 455).
ومن الأحاديث التي جاء فيها "ذمة الله"، قول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ رواه مسلم ( 657 ).
قال النووي في "شرح مسلم" (5/158):" الذِّمَّة هنا: الضمان، وقيل: الأمان " انتهى.
وينظر السؤال رقم (72559) .
وبناء على هذا المعنى، فلا حرج أن يقال عن الميت: إنه في ذمة الله، أي: في حفظه، ويكون هذا كالدعاء له بأن يحفظه الله، كما يقال: انتقل إلى رحمة الله، فهو دعاء له بالرحمة، وليس جزما بأن الله قد رحمه، لأن هذا لا سبيل إلى العلم به.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن قول: "فلان المرحوم"، و"تغمده الله برحمته"، و"انتقل إلى رحمة الله" ؟
فأجاب:
"قول: "فلان المرحوم"، أو "تغمده الله برحمته" لا بأس بها؛ لأن قولهم: "المرحوم" من باب التفاؤل والرجاء، وليس من باب الخبر، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء، فلا بأس به.
وأما "انتقل إلى رحمة الله"، فهو كذلك فيما يظهر لي أنه من باب التفاؤل، وليس من باب الخبر؛ لأن مثل هذا من أمور الغيب، ولا يمكن الجزم به" انتهى، "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/85).
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت المؤمن في "ذمة الله".
روى أبو داود (3204) عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِى ذِمَّتِكَ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وصححه الألباني في أحكام الجنائز.
قال السندي في حاشيته على ابن ماجه:
"قَوْلُهُ: (فِي ذِمَّتِكَ) أَيْ: فِي أَمَانَتِكَ وَعَهْدِكَ وَحِفْظِكَ.
(وَحَبْلِ جِوَارِكَ) قِيلَ: كَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ يُخِيفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَخَذَ عَهْدًا مِنْ سَيِّدِ كُلِّ قَبِيلَةٍ، فَيَأْمَنُ بِهِ مَا دَامَ فِي حُدُودِهَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْأُخْرَى، فَيَأْخُذَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَهَذَا حَبْلُ الْجِوَارِ، أَيِ: الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ مَا دَامَ مُجَاوِرًا أَرْضَهُ، أَوْ هُوَ مِنَ الْإِجَارَةِ وَالْأَمَانِ وَالنُّصْرَةِ" انتهى.
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/1209):
"(اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ) أَيْ: أَمَانِكَ ; لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِكَ" انتهى.
فالحاصل، أنه لا حرج أن يقال عن الميت المؤمن: إنه في ذمة الله، وإن كان هذا القول ليس خاصا بالميت، فقد سبق في الحديث أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله.
والله أعلم.
تعليق