الحمد لله.
أولاً:
نحمد الله تعالى أن هداك ووفقك للعمل بأحكام دينه ، وهذه نعمة كبرى ، عليك أن تشكريها بالإكثار من طاعة الله تعالى ، فكم عدد العاصين من حولنا ؟ ولكن الله اختصنا بهدايته ، وهذا يوجب علينا مزيدا من الشكر والعمل الصالح والإنابة إلى الله تعالى .
ثانيا :
رسم ذوات الأرواح محرم على الصحيح من أقوال العلماء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ) رواه البخاري (5606).
وعن النضر بن أنس بن مالك قال: أتى رجل إلى ابن عباس فقال: إنّي أصور هذه الصور. فقال له ابن عباس: ادنه. فدنا الرجل. فقال ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صور صورة في الدنيا كلف إن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس بنافخ ) رواه مسلم (2110)
قال النووي رحمه: "ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل ومالا ظل له ، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم.
وقال بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل ، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل ، وهذا مذهب باطل ، فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم ، وليس لصورته ظل ، مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (14/81).
وقد سبق في الموقع إجابات وافيه تغني عن إعادة التفصيل، فيحسن الرجوع إليها، (72915)، (180539).
ثالثا:
اختلف أهل العلم في حكم رسم الرأس من غير جسد.
قال ابن قدامة رحمه الله: "فإن قطع رأس الصورة، ذهبت الكراهة. قال ابن عباس: الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فليس بصورة. وحكى ذلك عن عكرمة...، وإن قطع منه ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه، كصدره أو بطنه، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه، لم يدخل تحت النهى؛ لأنّ الصورة لا تبقى بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس. وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده، كالعين واليد والرجل، فهو صورة داخلة تحت النهى. وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهى؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان" انتهى من "المغني" (10/201).
ونقل ابن حجر رحمه عن ابن العربي الأقوال في هذه المسألة فقال: " وقال ابن العربي : حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع ، وإن كانت رقما [أي : صورة ليس لها ظل ، كالتي تكون على الورق أو القماش أو الجدار] فأربعة أقوال:
الأول : يجوز مطلقا، على ظاهر قوله في حديث الباب : (إلا رقما في ثوب).
الثاني : المنع مطلقا، حتى الرَّقْم.
الثالث : إن كانت الصورة باقية الهيئة، قائمة الشكل: حرم، وإن قُطعت الرأس، أو تفرقت الأجزاء: جاز ، قال : وهذا هو الأصح.
الرابع : إن كان مما يُمْتَهن: جاز، وإن كان معلقا: لم يجز" انتهى من "فتح الباري" (10/ 391).
ومحل الشاهد هو القول الثالث الذي رجحه.
ومنع الشافعية ذلك مطلقاً .
قال زكريا الأنصاري: " وكذا حكم ما صور بلا رأس ، وأما الرؤوس بلا أبدان فهل تحرم؟ فيه تردد. والحرمة أرجح" انتهى من "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (3/226).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: " إذا كانت الصورة غير كاملة من أَصلها كتصوير الوجه والرأس والصدر ونحو ذلك، وأُزيل من الصورة ما لا تبقى معه الحياة، فمقتضى كلام كثير من الفقهاء إجازته، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى هذا النوع، وهو التصوير البعضي " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/167).
ومن خلال كلام الأئمة يتضح أن رسم الوجه بلا بدن محل خلاف بين أهل العلم، فإذا كان هناك حاجة لرسم الوجه لتجاوز مراحل دراسية في تخصصك، فافعلي قدر الحاجة فقط، ومن احتاط لنفسه في مسألة فيها وعيد شديد؛ كان ذلك أبرأ لدينه. – خاصة مع قوة القول بالمنع، وكونه قول الجمهور-.
رابعًا:
أما اللوحات القديمة المشتملة على رسم ذوات الأرواح، فلا يجوز لكِ بيعها، بل الواجب طمس ما فيها من الصور . ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ) الداراقطني (2815)، وصححه الألباني في "غاية المرام" (318).
ونصيحتنا لك البعد عن التخصص الذي يدخلك في محذورات شرعية، ففي غيره غنية وخير وبركة، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3]. ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (110419).
والله أعلم.
تعليق