الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

الفراغ بعد الخمسين وليس لها أبناء

425203

تاريخ النشر : 18-04-2023

المشاهدات : 2446

السؤال

أبلغ من العمر الخامسة والخمسين، لم أرزق بأطفال، ولكن عشت حياة مستقرة، ـ بفضل الله ـ مع زوجي، وتكيفت مع الواقع، ومنَّ الله علي بالرضا عن حالي، ومن فضل الله علي أن منَّ علي بعمل جيد يدر علي دخلا مناسبا، وأقضي فيه وقتا يقضي علي شعوري بالفراغ، ومنَّ الله علي بالنجاح في عملي، والحمد لله، منذ حوالي سنتين ازدادت علي وطأة المشاكل والمنازعات في العمل، فاستقلت من عملي، ولم أتمكن من الرجوع مرة أخرى، بل ولم أتمكن حتى من الحصول على عمل آخر، والحمد لله علي كل حال، أنا لا أعاني من أي مشاكل مادية، والحمد لله، الحمد لله أقضي وقتي في النافع والمفيد، وأثمرت استقالتي وتفرغي في البيت المزيد من التقرب إلي الله تعالى في مختلف المجالات، وكلها أشياء أحبها، أسال الله أن يتقبل عملي، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأشعر بالحمد لله على كل ما أعطاني من نعم، ولكن أعاني منذ استقالتي من مشكلتين: الشعور بالوحشة، صديقاتى وأخواتي وقريباتي أصبح كل إنسان في حاله، والتواصل ضعيف جدا، وهي ظاهرة عامة، مع معاناة الوسوسة، وهي: عبارة عن استدعاء الخبرات السيئة السابقة، والمواقف المحزنة في حياتي، أفتقد الصحبة الصالحة الفعلية في واقع الحياة، وليست في المجتمعات الإفتراضية؛ لأنها لا تغني عن الصحبة الواقعية، أسأل الله أن يهديكم للحل الصواب لما أعاني .

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الحمد الله الذي رزقك هذا الفيض الجميل من الصبر والرضا على الرغم من ألم تجربتك، ونسأل الله أن يربط على قلبك، وأن يحسن خاتمك وأن يعوضك في الجنة ما تقر به عينك.

ثانيًا:

في هذه المرحلة العمرية عادة ما تضعف العلاقات والصلات، ولا يتأثر بهذا غالب الناس، لأنهم يستغنون بالأسر التي انبثقت عن أسرتهم الأولى، مثل الأولاد وأزواج الأولاد وأبناء الأولاد، وهو ما فقدتيه بسبب الابتلاء الحاصل لك، فبالتالي فأنت تعانين من ضعف العلاقات المتوقع في هذه المرحلة العمرية، وتعانين من فقدان البديل أيضًا، وهذا شيء مؤلم بلا شك، ليس من السهل أن نتصور أثر هذا الألم عليك، أعانك الله وثبتك.
والسبيل هنا هو التحرك العمدي المقصود لبناء العلاقات في دائرتك المحيطة بك، عن طريق الانضمام لأعمال خيرية أو تجمعات إيمانية، مثل دروس علم أو حلقات قرآن، ونحن نعلم أن هذه المجتمعات تراجع وجودها وتأثيرها على أرض الواقع، لكنه لم ينعدم بالكلية، يحتاج لبعض البحث والمبادرة بالتطوع.

ثالثًا:

مشكلة اجترار الماضي وذكرياته هي في الحقيقة نتاج لمشكلة الفراغ السابقة، فالفراغ قابل لأن تتمدد فيه الأفكار السلبية، ووساوس اجترار الماضي.
لو لم يحصل لي كذا، ولو لم يصبني كذا، ولو لم أفعل كذا، ولو لم يفتني كذا، ولو لم أغلط في كذا.
بين اجترار الماضي وأماني المستقبل، كذلك الناس، هم أبدًا ليسوا هنا، وأبدًا ليسوا هناك، وأبدًا لا يعيشون الشيء الوحيد الذي يملكونه، أعني يومهم هذا.
يقول رسول الله: "إن لو تفتح عمل الشيطان" أخرجه مسلم(2664).
والشاعر يقول: ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها.
يظن أحدنا أنه سيتمكن من عيش حياته فقط عندما يحدث كذا، أو أنه كان ليعيشها لو لم يحدث كذا، بينما الحياة الوحيدة القابلة للعيش هي الآن وفقط، وما فات لا يعود، فاقبضي على ما هاهنا، وذوقي طعمه حتى ترضي.

هذه الأيام الباقية هي ربع الحياة الناضج الذي تصفو فيه الروح من رهق الحياة، وتسعد بالإقبال على ربها وقد خف ظهرها من أحمال هموم فترات الشباب والكهولة، فاغتنمي هذه السنوات بعمارتها بالطاعة والإقبال على الله، مع وجود تخطيط مقصود لإراحة نفسك وإجمامها وترفيهها، فالتوازن مهم جدًا لكي يستطيع الإنسان الاستمرار في أداء رسالة العبودية على أكمل وجوهها.

خططي لأوقات العبادة، وخططي لفرص عقد الصداقات والعلاقات، وخططي للاستمتاع ببعض وجوه الحياة وأنشطتها السارة التي ربما فاتتك في زحمة السنوات الماضية، املأي كفك من الحياة، وأقبلي عليها.

ومن الكتب التي قد تكون مفيدة، كتاب بعنوان: "متعة الحياة بعد سن التقاعد" من نشر دار الفاروق، وهو كتاب مفيد بعد التحفظ على بعض النقاط الناتجة عن كونه كتابًا غربيًا له منطلقات ثقافية وقيمية مختلفة، لكن معظم الكتاب مفيد، ومن السهل اكتشاف نقاط الاختلاف والاستفادة من نقاط التوافق فيه.

 والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب